التضخم يُلزم العائلات بتغيير نمط استهلاكها: وجبتان بدل ثلاث

قبل نحو عام، كانت ورقة الـ100 دولار تؤمن معيشة عائلة مكوّنة من 4 أفراد لمدة أسبوع تقريباً، لشراء الاحتياجات الأساسية من الطعام. فيما اليوم، وفي ظل العدوان المستمر على لبنان، والإرتفاع الجنوني بالاسعار، لم تعد تكفي لشراء السلع نفسها التي اعتادت العائلات شراءها، بالرغم من توافر البضائع والسلع الاستهلاكية الأساسية.

النزوح وتكلفته
انتقلت زينب الغول من منطقة الضاحية الجنوبية إلى العاصمة بيروت قبل شهر تقريباً مع ارتفاع حدة الضربات الإسرائيلية، وتمكنت مع عائلتها من استئجار منزل، والتأقلم في حياتها الجديدة. ورغم ذلك، تشكو من ارتفاع المصاريف اليومية التي تتكبدها، لشراء السلع الأساسية. تقول لـ”المدن”: نحتاج كل ثلاثة أو أربعة أيام تقريباً لنحو 100 دولار من أجل إنفاقها على الطعام فقط، رغم أننا نعيش بالحد المتوسط”. لاحظت الغول، بأن شكل الإنفاق على السلع الغذائية تبدّل بالمقارنة مع أشهر سابقة من العام الحالي”.

تعتمد الغول في الوقت الحالي على شراء البقوليات والخضار بشكل أكبر من اعتمادها على اللحم والدجاج، وبالتالي فهي تستخدم كميات كبيرة من العدس، الحمص، الزيوت، المعكرونة، أي المواد التمويلية الضرورية، وتعتبر أن شراء اللحوم والدجاج جزء من الكماليات. وتضيف : “هذه المواد التمويلية لم تكن ضمن ميزانيات العائلات، خاصة سكان القرى الجنوبية والبقاعية، إذ عادة ما يعتبرون هذه السلع جزء من المؤون التي يتم تجهيزها خلال فصل الصيف”. ولكن مع أزمة النزوح والتهجير التي تعيشها العائلات، باتت مضطرة لشراء هذه السلع، وهو ما جعلها تشعر بثقل المصاريف، وبالتالي لم تعد الـ100 دولار، بحسب تعبيرها، تكفي لشراء الاحتياجات العائلية.

ارتفاع في الأسعار
ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنحو 11 في المئة، ما بين تشرين الثاني 2024 والشهر نفسه من العام الماضي، بحسب الجدول الأسبوعي لأسعار السلع الغذائية الصادر عن وزارة الاقتصاد في الأسبوع الثاني من شهر تشرين الثاني. وقد ارتفع معدل سعر مبيع سلع المنتجات الدهنية والزيتية، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بمعدل 7 في المئة، كما ارتفع أيضاً سعر مبيع الزيوت والمواد المتفرقة كالشاي والقهوة، والمعكرونة، بنسبة 3 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

أما فيما يخص بند اللحوم ومشتقاتها، فقد شهدت بدورها ارتفاعاً بنسبة 14 في المئة، وقد نتج ذلك عن ارتفاع معدل سعر مبيع لحم الغنم بنسبة 29 في المئة، واللحم المستورد بنسبة 10 في المئة.

هذه الأرقام ليست متطابقة إلى حد كبير مع أرض الواقع، فعلى العكس من ذلك، تشهد الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً ومختلفاً بين المناطق اللبنانية بحسب جمعية حماية المستهلك وبحسب مقارنة المستهلكين أنفسهم لواقع الأسواق. فالأسعار تزيد في مناطق النزوح من جهة، وترتفع في مناطق مصنفة على أنها مناطق تضم عائلات ميسورة الحال من جهة ثانية.

وفي جولة لـ”المدن” على بعض الأسواق اللبنانية، تبين ارتفاع سعر الكيلوغرام من اللحم، من 10 دولارات تقريباً، إلى 14 دولاراً، ووصل في مناطق معينة إلى 17 دولاراً، فيما سعر الكيلوغرام من الدجاج ارتفع من 3 دولارات تقريباً إلى 5 دولارات و8 دولارات أحياناً. أما بالنسبة إلى أسعار الخضار والفاكهة، فقد شهدت بدورها ارتفاعاً في الأسعار، فارتفع سعر الكيلوغرام من البطاطا من 70 سنتاً في نهاية شهر أيلول، إلى نحو دولار تقريباً، كما ارتفع متوسط سعر كيلوغرام البندورة والخيار من 50 سنتاً إلى 80 سنتاً تقريباً.

وتشير هذه الأسعار إلى أن الارتفاعات، تخطت حاجز العشرة في المئة، التي تناولتها وزارة الاقتصاد، والأسعار تشهد ارتفاعات تتخطى حاجز 50 في المئة خاصة بالنسبة لسلة الخضار الأساسية لإطعام العائلات الفقيرة، مثل البطاطا والبصل، وغيرها من البقوليات.

العدس مقابل اللحوم
العدس مقابل اللحوم، المعلبات مقابل الخضار الطازجة والفواكه، هكذا، تبدلت القاعدة الاستهلاكية خلال فترة النزوح، إذ أن أجواء الحرب والقلق من استمرارها وغياب الأفق أحدثت تغييراً في مزاج المستهلك الذي بات مضطراً للبحث عن مواد غذائية توفيرية قادرة على تأمين الإشباع لساعات طويلة.

وتقول ندى الأحمد التي نزحت مع عائلتها وأقاربها إلى منطقة جبل لبنان لـ”المدن”: لم يعد بمقدور العائلة التي تعيش يوماً بيوم، العيش بشكل مريح او اعتيادي، لأن ظروف النزوح قاسية جداً، ونحن نضطر إلى تحضير وجبة غذائية قادرة على تأمين الإشباع لوقت طويل. لم تعد الأحمد تستخدم اللحوم كوجبة رئيسية واستعاضت عنها بتحضير وجبات قوامها العدس والحمص، على اعتبار أن هذه المواد أدنى تكلفة من اللحوم وغنية بالسعرات الحرارية في الوقت عينه، وبالتالي استغنت عن تحضير ثلاث وجبات يومياً إلى وجبتين، كما أنها تعتمد بشكل أساسي على المعلبات، لإطعام أفراد أسرتها بشكل كامل.

الأزمة لم تعد تتعلق بالنازحين وحسب، إذ أن الكثير من العائلات الذين يقطنون العاصمة بيروت، يواجهون أيضاً ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية رغم توفرها، وهو ما يدفعها إلى شراء الخضار والفاكهة بالحبة الواحدة، وهي عادة جديدة لم يكن سكان العاصمة معتادين عليها سابقاً.

الشراء بالحبة؟
تقول سعاد ميرزا من منطقة الطريق الجديدة لـ”المدن”: منذ شهر تقريباً، نواجه ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية وتحديداً الخضار والفاكهة”. وتضيف: “لم أعد قادرة على شراء الفاكهة بالكميات المعتادة، لذا بدأت بشرائها بالحبة الواحدة، خاصة وان سعر التفاح على سبيل المثال وصل لأكثر من 200 ألف ليرة، ووصل سعر الموز إلى 140 ألف ليرة، ناهيك عن باقي السلع الأساسية”.

ويقول أحد التجار في منطقة الحمرا أن معظم مبيعه حالياً يتم بالمفرق أي بالـ”حبة” لاسيما الفاكهة، ويوضح “أن بعض الأصناف لا تزال أسعارها مقبولة ولكن قدرة الناس على الشراء باتت ضعيفة” ملاحظاً أنهم “يحاولون تقليص مشترياتهم إلى الحد الأدنى”.

رغم تطمينات المعنيين حول وجود كميات وفيرة من السلع الاستهلاكية، واستمرارية تأمينها، إلا أن الأسعار تشهد ارتفاعاً واضحاً، وهو ما يرده رئيس نقابة المزارعين إبراهيم ترشيشي في حديثه لـ”المدن” إلى قوة القصف الإسرائيلي، حيث تضررت الأراضي الزراعية سواء في جنوب لبنان أو بقاعه، ورغم ذلك، يحاول المزارع تأمين الخضار بسعر التكلفة، مؤكداً بأن خسائر القطاع كبيرة جداً.

مصدرالمدن - بلقيس عبد الرضا
المادة السابقةماليّة الدولة: كيف حرمت شعبها من 600 مليون دولار؟
المقالة القادمةزمكحل:” طرابلس الكبرى منصة دولية للنهوض بالإقتصاد الوطني”