تغرّد تعاونية موظفي الدولة خارج سرب القطاع التأميني الاستشفائي الرسمي، فهي تمكنت من خلال سلف الخزينة وحسن الإدارة، من رفع التغطية التأمينية لموظفيها وذويهم تدريجياً وصولاً الى 90%، بحيث لا يجب ان تتجاوز الفروقات التي يدفعها المريض للمستشفى المليون ليرة، لتعود التغطية الاستشفائية التي تقدّمها الى ما كانت عليه قبل الأزمة.
بعد رفع تغطيتها الاستشفائية إلى 90%، أصدرت تعاونية موظفي الدولة تعميماً خلال شهر حزيران الحالي، طلبت فيه من المستشفيات عدم تقاضي اي فروقات استشفاء من المرضى باستثناء المحدّد قانوناً، وهو كحدّ أقصى مليون ليرة عن مرضى الدرجة الاولى و500 الف ليرة عن مرضى الدرجة الثانية. كما طلبت التقيّد بتعرفات المستلزمات الطبية الواردة في لوائح وزارة الصحة، كما طلبت من المستشفيات الالتزام والتقيّد بأصول الشراكة والتعاون والاستمرارية لما فيه مصلحة المريض.
بهذا تكون تعاونية موظفي الدولة من أولى القطاعات التي عرفت كيف تدير الأزمة المالية وتخفف من وطأة الفاتورة الاستشفائية على موظفيها وذويهم، في وقت لا تزال مؤسسات أخرى تتخبّط بإدارة الأزمة رغم مرور 5 سنوات عليها، فكيف تمكنت التعاونية من التأقلم مع الانهيار؟ وكيف توصلت الى تغطية استشفائية بلغت 90%؟
في هذا السياق، يشرح المدير العام لتعاونية موظفي الدولة يحيى خميس لـ«الجمهورية»، انّ «التعاونية بدأت بالتدرّج التصاعدي لزيادة التقديمات مع صدور موازنة 2022، وفي حزيران من العام نفسه تمكنت من مضاعفتها 4 مرّات، علماً انّه في هذا الوقت كانت المستشفيات والشركات المستوردة للمستلزمات الطبية ترفع من اسعارها تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف. عندما أُقرّت الموازنة في اواخر 2022 ضاعفت التعاونية تقديماتها 10 مرّات، بحيث اصبح دولار التقديمات 15 الفاً، لكن رغم ذلك استمر المواطن بدفع فروقات كبيرة نتيجة عدم الاستقرار في سعر الصرف والارتفاع المتواصل له. في بداية آذار 2023 أعددت دراسة عن الاحتياجات الصحية للموظف وتقدّمت بها الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولاحقاً أقرّ مجلس الوزراء مرسوماً في اواخر نيسان قضى بإعطاء سلفة شهرية للتعاونية بقيمة 450 مليار ليرة. وعليه ارتفعت التقديمات الاستشفائية 50 ضعفاً، كذلك ضاعفنا من التغطية على اسعار الدواء فوضعت التسعيرات قريبة للواقع وبخاصة لأدوية الجنريك».
تابع خميس:»مع رفعنا للتغطية الاستشفائية 50 ضعفاً اصبح دولارنا 75 الفاً، وبذلك تكون التعرفة عادت إلى ما كانت عليه قبل الأزمة. في الاول من تموز 2023 اصدرنا قراراً قضى بإعطاء سلف للمستشفيات، ومنذ مطلع العام الحالي بتنا نحوّل الاموال الى المستشفيات من خلال حساب fresh بالليرة اللبنانية، ما انعكس ايجاباً على المستشفيات والمنتسبين الذين لا يدفعون فروقات أكثر من مليون ليرة للدرجة الاولى و500 الف ليرة للدرجة الثانية».
ورداً على سؤال عن مدى التزام المستشفيات بهذه الفروقات ومدى تطابق فواتيرها مع السقوف المحدّدة، قال خميس: «95% من المستشفيات تلتزم بالتعرفات المحدّدة، لكن يمكن استثناء 3 من كبرى المستشفيات في العاصمة نواجه معها بعض المشاكل ونتلقى شكاوى عن عدم التزامها بالفروقات التي حدّدتها التعاونية، لكن ما العمل طالما انّ غالبية المرضى يقصدون هذه المستشفيات لارتباطهم بالطبيب المعالج».
الاجتماع الطارئ في «الاقتصاد»
إلى ذلك، وبعدما عقد وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام مؤخّراً، اجتماعاً «طارئاً» في وزارته للبحث في سبل إيجاد المخارج للحدّ من إرتفاع تكاليف فاتورة الاستشفاء والطبابة، كان لافتاً غياب الجهات الضامنة مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة عن اللقاء، وحصره بنقابة أصحاب المستشفيات الخاصة ونقابة الأطباء وممثلين عن شركات التأمين. وفي السياق، أكّد خميس انّه لم تُوجّه اي دعوة للتعاونية للمشاركة في هذا الاجتماع، معتبراً انّ «ما حصل يعكس مدى العمق في دراسة الملفات، إذ كان الأجدى دعوة الهيئات الضامنة المعنية قبل الكل لإبداء رأيها في هذا الملف».
وعن أبرز النقاط التي تمّ التداول بها خلال اللقاء، ما كشف عنه الوزير سلام عن كلفة بعض المعدات في الخارج المسعّرة بـ 100 دولار، بينما ترتفع كلفتها الى 1000 دولار في لبنان. في السياق، قال خميس: «انّ التعاونية كانت اول من رفع الصوت منذ حوالى 10 سنوات، مصنّفة هذا الامر بأكبر المشكلات التي تواجهها الجهات الضامنة وأكبر وجع يعاني منه المريض، إذ تبين لنا انّ الارباح المحققة من المستلزمات الطبية تتجاوز الـ1000% واحياناً تصل الى 1500%. تجاه ذلك اقترحنا حلاً عملياً يقضي بالحصول على عروض اسعار من اكثر من دولة، على ان تتمّ دراسة كلفة نقلها والرسوم الجمركية مع تحديد هامش معقول ربح للشركات».
أضاف: «انّ منطق الاقتصاد الحرّ لا يجوز ان يُطبّق في هذه الحالة، بل المطلوب رقابة ومحاسبة من الدولة وصولاً الى سحب الرخص او إقفال الشركات المخالفة»، مشدّداً على انّه «لا يجوز ترك الامور فالتة هكذا وعدم ردع الشركات التي باتت غالبيتها شبيهة بالمافيات».
وعن التحدّي الذي تمّ التطرّق اليه خلال الاجتماع والمتعلق بكلفة تعرفة الاطباء، كشف خميس انّ «بعض الاطباء في بيروت تصل تعرفتهم إلى 150 دولاراً، في حين انّها تتراوح في المناطق بين 30 و 40%. وهنا نسأل كيف يمكن وضع حدّ لهذا التفاوت في التسعير؟»، وتابع: «نحن كتعاونية رفعنا من تغطية كلفة الاطباء، لكن لا تزال الفوارق كبيرة. لذا نأمل من نقابة الاطباء التدخّل وعدم إبقاء الحدّ الأقصى لتعرفة الطبيب مفتوحاً».
تحدّيات التعاونية
أما عن بقية التحدّيات التي تواجهها التعاونية فتتمثل خصوصاً بتراجع عدد الأطباء لديها، وهذا ما دفع مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة الى الموافقة على إجراء مباراة للتعاقد مع اطباء لصالح التعاونية. ولم يخف خميس تخوفه من عدم حصول إقبال على هذه الوظيفة «نظراً لتدني الرواتب. لكن رغم ذلك نأمل ان يتجاوب بعض الاطباء مع مطلبنا لتعئبة بعض الشواغر. كما تعاني التعاونية من البيروقراطية السائدة في القطاع العام والتي تؤخّر إنجاز العمل ضمن مهل محددة».