التعميم 158 غير مسبوق جاف وغير مطمئن

يُطلّ علينا الآن التعميم الرقم 158، والذي، وللمرة الأولى في ظل التطمينات الى أنّ حقوق المودعين محفوظة ومؤمّنة، وأنّ كل ما «يُروى» خلافاً لذلك مجاف للحقيقة – وإن برأينا كان مقارباً للواقع – يُطرح عملياً موضوع الودائع. وهذه إيجابية بالمطلق بحدّ ذاتها وخصوصاً أنّها بالمبدأ تطمئن ما يقارب 800 ألف مودع من المستحقين منهم وفقاً للتعميم، ستصلهم ودائعهم في مدة أقصاها 5 سنوات.

وهنا نسأل، إن بقيت هذه الحسابات المستثناة في البلد وعانت من التقطير في السحوبات، والانتقاص من حقوقها بالـ HAIR CUT المقنّع، سواء من الفوائد التي أُعطيت لها عند التحويل إلى العملة الأجنبية والتي إن لم تكن صفراً فهي حوله، وكذلك من التداعيات العميقة لتردّي الخدمات المصرفية على مختلف أنواعها. وفُتحت وحوّلت إلى العملات الأجنبية ضمن القوانين والنظم المصرفية والمالية المرعية الإجراء. إنّ أصحاب الحقوق كل على قدر معرفته وقلة حيلته وارتدادات تدني مستوى الخدمات المصرفية وسبلها الانتقائية، حتّم عليهم ومن صميم يأسهم وتيئيسهم على غير هدى وغياب أي ضمانات جدّية وذات معنى، أن يحاولوا حماية جنى عمرهم وسبل عيشهم.

أما في ما يتعلق بالتمويل يحدّد التعميم التمويل مناصفة بين المصرف المركزي والمصارف، يحق للمصارف تأمين قسطها من السيولة الخارجية المتوافرة لديها ضمن نسبة الـ 3 في المئة المشار إليها في التعميم الرقم 154 تاريخ 27 / 8 / 2020 ، على أن تتمّ إعادة تكوين هذه النسبة في مهلة أقصاها 31 / 12 / 2022 ، في وقت تصرّح المصارف أن ناتج حساباتها عند المصارف المراسلة في الخارج سلبي بمبلغ يفوق المليار دولار. وكذلك في وقت لم يتمّ فيه إعلان مَن من المصارف تمكّن من الإيفاء بنسبة الـ 3 في المئة المطلوبة ومن لم يؤمّنها؟ وما هو مستوى السيولة المتوافرة عند كل مصرف على حدة؟ ومَن منها بإمكانه حالياً أن يفي بإجراءات التعميم الاستثنائية؟ وفي حال الإيجاب هل سيتمكن من إعادة تكوين هذه النسبة في مهلة اقصاها 31 / 12 / 2022 ؟ وما رشح في هذا السياق إلى الآن، لا يمكن توصيفه بالشفاف والواضح، والمستقبل رهن بإعادة هيكلة المصارف وتبيان اتساعها وعمقها وجدواها المالية والنقدية والاقتصادية.

أما المصرف المركزي فسيؤمّن السيولة المنوطة به من التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصارف لدى مصرف لبنان، وذلك من السيولة المتوافرة لمصرف لبنان في الخارج، والتي يحرّرها لهذه الغاية. ونخشى ما نخشاه أن يؤشر هذا التعميم وامتداده المبدأي الى 5 سنوات مع إمكانية تعديله وتجديده سنوياً، إلى العودة إلى اعتماد الحل الراديكالي في إطفاء الخسائر على حساب المودعين الذين يتجاوزون التعريف بصغار المودعين.

وعليه، من المفيد إن لم نقل من الضروري إعادة النظر في هذا التعميم، إلى حين تلازمه مع التحديد العادل للخسائر وتسريع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا أصبح ممكناً لانكشاف الحالة اللبنانية والاستكشاف الكافي للتبصّر في أمور ووسائط حلها على صعوبتها وعلى المديين الآني والمتوسط، وكذلك من الضروري تلازم ذلك مع إعادة هيكلة معقولة وذات معنى للقطاع المصرفي.

مصدرجريدة الجمهورية - د. جو سرّوع
المادة السابقةتقلص كبير للاستثمارات الصينية في أوروبا
المقالة القادمةاتفاق تجاري تاريخي بين بريطانيا وأستراليا