لا يختلف اثنان على أنّ التعميم 166 لا يحلّ أزمة، ولا يصلُح حتى ليكون ممراً الى بدء المعالجة. وهو يندرج في اطار استمرار سياسة شراء الوقت، وعلى طريقة بدل من ضائع، بانتظار ان تحسم «الدولة» صاحبة القرار الاول والأخير أمرها، وتمسك بزمام المبادرة، وتعلن عن خطتها للانقاذ، بدلاً من هذه الفوضى القائمة اليوم.
يُدرك حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري انّ قرار إعطاء 150 دولاراً في الشهر للمودعين بدلاً من الاستمرار في سياسة السحب من الودائع على سعر 15 الف ليرة، وفرض هيركات بنسبة تقارب الـ83%، سيُرضي قسماً من المودعين. لكن هناك فئة اخرى من المودعين تشعر بالقلق والغضب، انطلاقاً من الملاحظات التالية:
أولاً – مبادرة مصرف لبنان بإعطاء 150 دولاراً في الشهر للمودع تعني انّ مشروع الكابيتال كونترول، والذي بات ينبغي أن يأتي ضمن الخطة الانقاذية الشاملة بسبب تأخير صدوره لأكثر من 4 سنوات، سوف يتأخر، وقد لا يأتي ابداً.
ثانياً – زيادة منسوب استنزاف الدولارات المتبقية في مصرف لبنان وفي المصارف التجارية، من دون وجود رؤية توضِح المسار الذي تسلكه الدولة، يشير الى انّ كارثة نفاد ما تبقّى من دولارات مسألة وقت ليس إلّا.
ثالثاً – تحديد مبلغ السحب بـ150 دولاراً فقط، يؤكد المؤكّد، وهو انّ ازمة السيولة القائمة حادة جداً، ولم يعد الوقت يسمح بمزيد من نهج شراء الوقت.
رابعاً – إحجام المجلس النيابي عن تحديد سعر الدولار المصرفي، وهذا الامر كان ينتظره منصوري ويراهن عليه، يشير الى انّ السياسيين بشكل عام ليسوا مستعدين، رغم خطورة الوضع، لأن يتحمّلوا مسؤولية اتخاذ اي قرار قد يُسيء الى شعبيتهم على المدى القصير. وهم من اجل ذلك رفضوا اقتراح تحديد سعر الدولار المصرفي بـ25 الف ليرة، وادّعوا انّ رفضهم هذا نابع من حرصهم على عدم تعريض المودِع الى هيركات قاسٍ. في حين انهم يعرفون انّ المودع يتعرّض حالياً لهيركات نسبته 83%، ولو أقرّوا رقم الـ25 الف ليرة للدولار المصرفي لانخفضت نسبة الهيركات الى 72%. ومع رفض النواب تحمّل مسؤولية تحديد سعر الدولار المصرفي، اضطر مصرف لبنان الى التراجع عن تعهّد كان قد أعلنه بأنه لن يصدر التعميم 166 اذا لم يحدّد المجلس سعر دولار المصارف. واليوم، هناك رهان على ان تتولى الحكومة اتخاذ هذا القرار.
خامساً – ما قيل في شأن وجود مصارف عاجزة عن الالتزام بالتعميم 166 أثار قلق المودعين ايضا. صحيح انّ الاجواء اليوم توحي بأن كل المصارف سوف تلتزم به، لكن الصحيح ايضا ان هذا الوضع يعني ان الاستمرار في هذا النزف، لمدة أطول سيؤدي الى بدء ظهور مصارف عاجزة عن الاستمرار. وبالتالي، قد تخرج من السوق. فهل هذه هي خطة اعادة الانتظام الى العمل المصرفي التي تعدّها الدولة؟ وهل المطلوب الاستمرار على هذا المنوال، ومراقبة المصارف تقع، واحداً تلو الآخر؟ وما مصير المودعين في هذه الحالة؟ وما مصير الاقتصاد بشكل عام؟
سادساً – هل من المسموح ان نعتبر انّ المصرف الذي لا يستطيع الالتزام بدفع ما تفرضه التعاميم لا يستحق الاستمرار، قبل ان تتخذ الدولة قرارها في كيفية تعاطيها مع ديونها والتزاماتها حيال مصرفها المركزي. وكيف نقيّم أي مصرف اذا لم يتقرر كيف سيتم التعاطي مع ودائعه وتوظيفاته في مصرف لبنان؟
سابعاً – ما مصير الاحتياطي الالزامي في المركزي، وهي اموال ممنوع المسّ بها، وهي من حق المودع حصراً؟ لماذا لم يُقدّم مصرف لبنان حتى الان تصوّره في شأن هذا الاحتياطي الناقص حوالى 4 مليارات دولار، بناء على نسبة 14% من مجموع الودائع؟
هذه نبذة من الهواجس التي تشعر بها فئة من المودعين. وهؤلاء يتعاطون مع كل الاجراءات المؤقتة والترقيعية من منظور انها قد تعمّق الأزمة أكثر في المستقبل. ولكن ذلك لا ينفي انّ فئة من المودعين شعرت بالرضى لصدور التعميم 166، واعتبرت انه يُنصفها بعض الشيء، ويُعفيها من تحمّل الهيركات القاسي لسحب الاموال لتأمين حاجات العيش اليومي. وهذا الامر صحيح، وليس سيئاً اذا لم تتأخر خطة الانقاذ الشامل. لكن استمرار الوضع كما هو، ومن دون خطة، والاعتماد على اجراءات الضرورة التي قد يتخذها المركزي، لن تجدي نفعاً، بل اننا قد نكتشف بعد سنوات، وبعد فوات الأوان، أنها تسبّبت بأضرار جانبية جسيمة كان يمكن تحاشيها.
في الخلاصة، وطالما انّ الامور في خواتيمها، يمكن الجزم بأن الخاتمة هي في يد الدولة حصراً، وهي من سيقرر اذا ما كان يمكن الوصول الى خاتمة سعيدة، ام انّ قدر اللبنانيين ان يتعايَشوا مع خواتيم تعيسة تقضي على أحلامهم بغدٍ أفضل.