التعويض عن خسائر الودائع يتحمَّلها الجاني لا الضَّحيّة

واليوم، بعد مرور سنتين وثلاثة أشهر، ازدادت الأصوات وكثُرَتْ التسريبات والإيحاءات المعتمِدة على “خطة الإنقاذ المالي” الجديدة، بوجوب اعتماد “الكابيتال كونترول” و”الهيركات” إلى حدود تصل إلى خمسين بالمئة، وربما أكثر، من الإيداعات، وحضّ المودعين على القبول بهذا العرض “المغري”! الذي يجنِّبهم، في حال رفضه، خسارة مدّخراتهم بكاملها.

ما ذكره حضرة حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وحضرة وزير المالية الدكتور غازي وزني من أن “الهيركات” (haircut) يحتاج إلى قانون، وكذلك ما أوضحه حاكم مصرف لبنان من أن “الكابيتال كونترول” (capital control) “يغيّر طبيعة الاقتصاد” ويحتاج بدوره إلى قانون، صحيح- بالحدّ القانوني الأدنى- إن كان هناك ما يمكن تسميته “بالحد القانوني الأدنى”. نقول هذا لأنه إذا كان “الكابيتال كونترول” “يغيّر طبيعة الاقتصاد”، فإن اعتماده لا يتطلّب فقط إقرار قانون بل تعديل الدستور نفسه الذي نصّ صراحة في الفقرة (هـ) من مقدمته على أن “النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، كما أن المادة 15 من الدستور تنص على أن “الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلّا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعدَ تعويضه منه تعويضاً عادلاً”.

لكنَّ حاكم مصرف لبنان رغم معرفته بأن “الكابيتال كونترول” و”الهيركات” لا يمكن اعتمادهما إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب لجأ إلى تغطية ممارسة المصارف لهذين التدبيرين عن طريق إصدار “تعميم أساسي للمصارف رقم 151” بتاريخ 21/4/2020 لتطبيق القرار الأساسي الصادر عنه برقم 13221 بالتاريخ ذاته والمتعلق “بإجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية”.

بعد صدور التعميم رقم 151 ومن ثم التعميم 158 عن حاكم مصرف لبنان صارَت المصارف تمارس عمليّتي “الكابيتال كونترول” و”الهيركات” على السحوبات وعمليات الصندوق نقداً من الحسابات أو المستحقات العائدة لعملائها بالدولار الأميركي أو بغيرها من العملات الأجنبية بالاستناد إلى هذين التعميمين؛ وصارت تطلب من عملائها الموافقة على ذلك خطياً في المصرف أو إلكترونياً لدى إجراء السحوبات من الصرَّاف الآلي. وحتماً في حال رفض العميل الموافقة على ذلك، فإن المصرف يمتنع عن إعطائه المبلغ الشهري المسموح له سحبه وفق الحدود المرسومة من المصرف.

إنّ أبسط القواعد الأخلاقية والقانونية تقضي بتحميل مسبّب الضرر المسؤولية كاملة عن الضرر الذي سببّه لضحيته. أما تعويم الجاني على حساب الضحيّة فجريمة تُضاف إلى جريمة الجاني الأساسية وتخالف ما تعارفت عليه الشرائع منذ وُجدت حتى اليوم. فقبل الحديث عن اقتطاع خمسين بالمئة من الإيداعات، أو عن اقتطاع فلسٍ واحدٍ منها، يجب إعمال القوانين وتحميل المسؤولية للجناة.

قبل الحديث عن تحميل خسائر للمودعين، يجب البدء بالحديث عن تحميلها بالتكافل والتضامن للمسؤولين عن الكارثة المالية التي لها طابع تقصيري واضح. وهم المصارف ومديروها وأعضاء مجالس إدارتها ومصرف لبنان والقيّمون على إدارته، والدولة اللبنانية ووزراء المالية المتعاقبون، وسواهم ممن يثبتُ إسهامه في الكارثة، بفعله أو بامتناعه. والمسؤولية التي يتحملّونها هي مسؤولية مدنية، وربما جزائية أيضاً، وهي تقضي بأن يتحمَّلوا مع الدولة اللبنانية عبءَ التعويض على أصحاب الودائع وليس العكس.

 

مصدرنداء الوطن - المحاميان خليل وفارس زعتر
المادة السابقةالخصخصة اليوم ومهما كان الثمن!
المقالة القادمةإشكالية الموازنة: غيمة صيف… لن تحرّر التعيينات