بدأنا سنة 2024 بمخاوف وكابوس إعادة حرب مدمّرة على لبنان، وقد بات هذا الكابوس حقيقة مُرّة في تشرين تلك السنة، حين اندلعت هذه الحرب التي لم نكن نريدها، وهي مرّة أخرى حرب الآخرين على أرضنا. لكن بعد شهرَين، وبفضل اليَد الإلهية والعصا السحرية أصبحنا متفائلين من جديد، وقد تحوّل تشاؤمنا إلى تفاؤل… لكنّه تفاؤل حذر.
لا داعي لتكرار والتذكير بوحشية العدو، وأهدافه التدميرية والإجرامية، لكن في الوقت عينه، علينا أن نركّز أيضاً على أخطائنا الداخلية وتشتّت رؤيتنا، وخلافاتنا في الأهداف والأولويات.
فبعد تحويل الكابوس إلى حقيقة مُرّة، تحوّلت هذه الحقيقة، ونعيش اليوم حلماً جديداً، وهو انتشار الجيش اللبناني على كل الأراضي اللبنانية، ليصبح الحامي الوحيد على الأرض والحدود، والاقتصاد والشعب.
الحلم الآخر هو أن يتحوّل وقف إطلاق النار إلى اتفاق مستدام عبر الأمم المتحدة، وتطبيق القرار 1701 بحذافيره وبدقّة.
الحلم الثالث هو انهيار النظام في سوريا، الذي من دون شك ولا سرّ على أحد، أنّ تداعياته كانت كارثية على لبنان واقتصاده وشعبه.
لا شك في أنّ قسماً كبيراً من طريقنا الشائك قد تمّ اجتيازه، لكن هناك قسماً آخر وهو مسؤوليتنا الداخلية، وهدفنا الأهم هو إعادة بناء الدولة المستقلة والمستقرة، إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات، إعادة بناء دولة العدل والعدالة، وإعادة بناء ليس فقط ما دُمّر من العدوان، لكن خصوصاً ما دمّرناه داخلياً من خلال تدمير ذاتي متعمّد، فشكّلت تداعياته أوضاعاً كارثية على أرض لبنان وشعبه واقتصاده، وعلى سياسته وأمنه.
تفاؤلنا حذر لأنّنا لن ننسى ونتناسى، أنّ المسؤولين عن 17 سنة حرب أهلية، لا يزال قسم كبير منهم في مراكز القرار.
تفاؤلنا حذر لأنّه ليس سراً بأنّ المسؤولين عن أكبر أزمة مالية ونقدية، وأكبر عملية نهب في تاريخ العالم، لا يزال البعض منهم في السلطة.
تفاؤلنا حذر، لأنّ مَن يفاوض اليوم هم أيضاً مفاوِضو الأمس وملوك الفرص الضائعة، ونتمنّى أن يعلموا هذه المرّة أنّ أمامنا الفرصة الأخيرة، إمّا بناء دولة حقيقية، وإمّا متابعة بناء الدويلات ودولة المافيات.
تفاؤلنا حذر لأنّنا نعلم منطقياً وتقنياً وموضوعياً وواقعياً بأنّ التغيير الحقيقي سيستغرق وقتاً، وسيكون الطريق صعباً وشائكاً، لكن للمرّة الأولى نستطيع أن نأمل في أن نثق بمستقبلنا وإعادة بناء أرض تراثنا وتاريخنا.
في المحصّلة، لا شك في أنّنا اليوم في لبنان نحلم، بأنّه يحق لنا بالحياة والوطن، لكنّ تفاؤلنا حذر لأنّ الأيادي السود والأهداف الغامضة والمجرمين المتمادين لا يزالون يُحاوطوننا، لكن نحن متفائلون بإعادة بناء لبنان، منصّة الحضارات والمنصّة الاقتصادية والتجارية، بلد الحرف والعلم، بلد العيش المشترك، نموذج المحبة والاحترام، لبنان أرض السلام.