ليس مُستغرباً ولا مستبعداً تزايد أعداد الفقراء مع وقوع الأزمات المالية والاقتصادية، وإن بشكل كبير ومتسارع، كما هو حاصل في لبنان حالياً. وكما حال الدول “الفاشلة” في العالم، قد لا يختلف فقراء لبنان عن نظرائهم في باقي تلك الدول، من ناحية الظروف التي دفعت بهم إلى تلك الدائرة المظلمة. لكن ما يميز فقراء لبنان أنهم منسيون من دولتهم، فلا ينالهم منها سوى الوعود، وبعض الفتات للمعوزين منهم.
الأزمة الاقتصادية والمالية الواقعة في لبنان، وانهيار العملة الوطنية، وما رافقها من إفلاسات وخروج استثمارات، وتزامنها مؤخراً مع انتشار فيروس كوفيد 19، كل تلك العوامل رفعت أعداد العاطلين من العمل في لبنان إلى مستويات قياسية، قدّرها البعض بمئات الآلاف. الأمر الذي وسّع دائرة الفقراء والعاجزين عن تأمين قوتهم اليومي، وأدخل فئات اجتماعية برمتها في عداد الفقراء.
الفقراء الجدد
لا أرقام دقيقة لنسب الفقر والبطالة في لبنان، وتتحدث آخر الدراسات التي قام بها البنك الدولي، بالتعاون مع منظمات دولية أخرى (قبل العام 2019)، عن بلوغ عدد الفقراء في لبنان نحو مليون مواطن لبناني، يعيشون على أقل من 4 دولارات يومياً، والمقصود هنا بالأربعة دولارات وفق سعر الصرف 1500 ليرة. أي 6000 ليرة فقط يومياً. ما يعني أن هؤلاء يعيشون اليوم على أقل من دولار واحد يومياً، نظراً لبلوغ سعر الصرف نحو 9000 ليرة للدولار. وتفيد الدراسة عينها بأن نحو 360 ألف لبناني يعيشون بأقل من 2.5 دولار يومياً أي نحو 3750 ليرة يومياً، أو ما يعادل أقل من نصف دولار حالياً. أضف إلى أن أعداد الفقراء وفق الدراسة سُجّل قبل العام 2019، أي قبل تفجّر الأزمة المالية في لبنان. ما يعني أن تلك الأرقام قد تكون تضاعفت في العام 2020.
تزايد أعداد الفقراء في لبنان، لاسيما في صفوف الشباب والمتعلّمين، بات أمراً معيباً، خصوصاً بالنظر إلى انعدام المبادرات الجدّية من قبل الدولة، للحد من تصاعد الأعداد وتفاقم أزمة الفقر من جهة، وضآلة التقديمات والمساعدات الاجتماعية من جهة أخرى. فماذا تقدّم الدولة لفقرائها؟ وما هي البرامج الاجتماعية التي تشملهم؟
يكاد يكون البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً “حلا” البرنامج “اليتيم” لدعم الفقراء في لبنان، إلى جانب مبادرة الحكومة إلى تقديم مساعدات مالية بقيمة 400 ألف ليرة للأسرة الواحدة (نحو 44 دولاراً) بصورة شهرية في المرحلة الأخيرة.
تقديمات “حلا” شبه المعدومة
تقدّمت في العام 2011، تاريخ إطلاق البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً “حلا”، نحو 110 آلاف عائلة لبنانية فقيرة بطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية للاستفادة من الدعم. صنّفت الوزارة نحو 43 ألف أسرة تقع في خانة الأكثر فقراً للإفادة من المشروع. كما صنّفت من بين الأسر الـ43 ألفاً نحو 15 ألف أسرة فقط في خانة الفقر المدقع.
تقتصر تقديمات البرنامج للأسر الـ43 ألفاً على تغطية صحية كاملة. أي سداد فروقات الاستشفاء للجهات الضامنة، أي وزارة الصحة بطبيعة الحال، في المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع البرنامج. وهذه الخدمة لا يستفيد منها الفقراء حالياً، وفق مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية. إذ تمتنع المستشفيات عن استقبالهم، لأن الدولة لم تسدد لها مستحقاتها المالية. كما يمنح البرنامج للفقراء المسجلين فيه التعليم المجاني، فيتم سداد فارق التعليم الرسمي في المهنيات والمدارس الرسمية. لكنهم أيضاً لا يستفيدون منها حالياً لأن وزارة الشؤون لم تسدد المتوجبات للمدارس عن الأعوام 2017 و2018 و2019 وطبعاً 2020. بمعنى آخر لا يستفيد الفقراء من البرنامج بشيء يُذكر، لا طبابة ولا تعليماً.
ومن بين 43 ألف عائلة فقيرة، تحصل نحو 15 ألفاً منها على بطاقة تغذية بقيمة 27 دولار شهرياً، لكل فرد من الأسرة، على أن لا يتعدى عدد أفراد الأسرة 6 أشخاص. ويؤكد المصدر في حديث إلى “المدن”، أن هذه البطاقة لو كانت مدعومة من الدولة اللبنانية لكانت تعطّلت هي الآخرى. ولحسن الحظ أنها مغطاة من مانحين دوليين ومن برنامج الأغذية العالمي. مشدداً على أن هناك توجهاً جدياً لمضاعفة أعداد المستفيدين من بطاقة التغذية من 15 ألفاً إلى نحو 30 ألفاً.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بطاقة التغذية البالغة قيمتها 27 دولاراً للفرد يتم تقاضيها شهرياً بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 3000 ليرة من المصارف، حيث تحوّلها الدول المانحة، ما يعني أن كل فرد يحصل شهرياً على 81 ألف ليرة فقط لتأمين غذائه. ولذلك يتم العمل وفق المصدر على مضاعفة عدد المستفيدين من بطاقة التغذية.
مساعدات الدولة
أما المساعدات المادية المباشرة التي تقدّمها الدولة اللبنانية لفقرائها، فهي تلك التي باشرت بها بعد إعلان التعبئة العامة تلافياً لانتشار فيروس كورونا. وتبلغ قيمة المساعدة 400 ألف ليرة شهرياً، أي ما يعادل 44 دولاراً فقط لكل أسرة. وشملت المساعدات فئات اجتماعية منها السائقين العموميين، وعدداً كبيراً من أهالي طلاب المدارس الرسمية وذوي الاحتياجات الخاصة، ومتطوعي الدفاع المدني، إضافة إلى أسماء تم إضافتها من قبل الجيش اللبناني في المناطق، مقابل شطب أسماء أخرى تم إدراجها من قبل البلديات، وهي غير مستحقة بحسب المصدر، ومنها يعود لكبار الموظفين ولميسورين.
ومع إطلاق مشروع تقديم المساعدات المالية، وتشكيل لجنة لهذه الغاية من وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية، تقدّمت نحو 470 ألف عائلة فقيرة بطلب الحصول على المساعدة. أي ما يقارب مليون و500 ألف شخص بين فقير ومعدوم. وبعد التدقيق بالأسماء في بيروت والمناطق تم اختيار ما لا يزيد عن 200 ألف عائلة فقط للحصول على مساعدة الـ400 ألف ليرة. ووفق مصدر متابع لعمل اللجنة، فإن كافة العائلات التي تقدمت بالطلبات هي مستحقة. ولكن تم اختيار أقل من نصفهم بحسب مدى حاجاتهم، نظراً لعدم توفر الأموال اللازمة لتقديم المساعدات لكافة العائلات.
ويُضاف إلى الـ200 ألف عائلة الحاصلة على 400 ألف ليرة، العائلات المنضوية في برنامج الأسر الأكثر فقراً “حلّا” التابع لوزارة الشؤون، مع استثناء العائلات الحاصلة على بطاقة التغذية، بمعنى أن الـ15 ألف عائلة الحاصلة على بطاقة تغذية من أصل 43 ألف عائلة في برنامج “حلا” يتم استثنائها من مساعدة الدولة (400 ألف ليرة)، وتُحصر الاستفادة بالعائلات الأخرى، أي أكثر من 27 ألف عائلة. وبذلك يصبح مجموع الحاصلين على مساعدة مالية شهرية من الدولة نحو 227 ألف عائلة. ووفق المعلومات، فإن المساعدات الشهرية مستمرة من حيث المبدأ، ربما إلى نهاية العام أو أكثر. وذلك يرتبط بتأمين تمويل إضافي وبالظروف الاقتصادية.
عزة الحاج حسن – المدن