التفاوض مع صندوق النقد يبدأ الاثنين

يُتوقع أن تبدأ الاثنين المقبل، عن بُعد، مفاوضات لبنان مع وفد صندوق النقد الدولي بعد أن ينجز وزير المال يوسف خليل مشروع موازنة 2022 غداً، متضمنة أرقاماً شبه نهائية للنفقات والواردات. مصادر مطلعة قالت إن إعداد مشروع الموازنة يجري «تحت الضغط»، وإن مشكلة كبيرة تواجه البند الخاص بالرواتب، لجهة احترام التوصيات الاولية لصندوق النقد الدولي، ما يعني عدم اعطاء زيادة غلاء معيشة ترفع من القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام، مقابل رشوتهم بدعم غير مدروس وغير دائم بدولارات تدخل صناديق المؤسسات العسكرية والامنية، من دون قوانين ومن دون رقابة، والعمل على تحقيق توازن من خلال رفع جنوني للضرائب والرسوم، سيتم تلقائيا بعد احتساب البدلات على سعر صرف جديد للدولار يرفعه من 1500 ليرة الى نحو 20 الفاً. علما ان اسعار الصرف، بحسب بنود الموازنة، تراوح حاليا بين 8000 ليرة و 22 الفاً، ما أثار حفيظة قوى بارزة.

وقد سبق الاستعداد لتقديم الموانة انخفاض في سعر الدولار بأكثر من 10 آلاف ليرة وسط مضاربات هائلة ناتجة من التعميم 161 الذي ضخ بموجبه مصرف لبنان الدولارات عبر المصارف التي باعتها للزبائن مقابل ليرات ورقية.
ومن أبرز نتائج التعميم 161 أن سلامة زرع داخل كل مقيم في لبنان «مضاربجياً» صغيراً. إذ أتاح التعميم لكل من يملك الليرات الورقية، أن يستبدلها بالدولارات التي يضخّها عبر المصارف على سعر منصّة «صيرفة»، ثم إعادة تصريفها عند الصرافين على سعر السوق الحرّة الأعلى، وتحقيق ربح من فروقات الأسعار. لكن كان لافتاً، أمس، أن سعر السوق الحرّة انخفض للمرّة الأولى إلى أقلّ من سعر منصّة «صيرفة» الذي سجّل 23300 ليرة لكل دولار في مقابل انخفاض سعر السوق الحرّة من 24500 ليرة صباحاً إلى 22100 ليرة مساء. ما يعني أن تقلّص هامش الربحية من المضاربة على الدولار يدفع الناس إلى الإحجام عن استبدال الليرات بالدولارات ما أدّى إلى انخفاض قيمة التداول على «صيرفة» من 43 مليون دولار أول من أمس إلى 34 مليون دولار أمس.

سلوك مصرف لبنان يصطدم بمسألة أساسية، وهو أنه لم يكن يقدر على استعادة دوره كصانع للعمليات في سوق القطع، ومحاولاً حصر عمليات الصرافة ضمن منصّة «صيرفة»، لولا أنه أمسك السوق من ثلاث جهات: المصارف التي ضخّ الدولارات عبرها، العمليات مع غالبية الصرافين، شراء الدولارات من شركات التحويل المالي بالوسائل الإلكترونية وعلى رأسها OMT. كل ذلك يتطلب أن يضخّ مصرف لبنان الدولارات، سواء تلك التي اشتراها ويشتريها من الصرافين، أو من الاحتياطات. وفي اللحظة التي يتوقف فيها عن ضخّ الدولارات سيفقد قدرته على التحكّم ويفقد دوره مجدداً بعد خسائر هائلة تكبدها في ميزانيته وكبّدها لقسم من المواطنين على حساب الآخرين ممن يتربحون من عمليات المضاربة. هكذا ستفقد «صيرفة» الزخم الذي حظيت به في الأيام الأخيرة.

ولمشروع الموازنة الذي ما زال العمل به محصوراً في أرقام النفقات والإيرادات بعيداً من الإصلاحات الأساسية. وعملية الانتقال هذه لن تكون سهلة،في السياق نفسه، تبدو الموازنة محكومة بمسائل متنوعة على ضفتي النفقات والإيرادات. ففي النفقات، هناك أكلاف تشغيل وصيانة وسواها يجب أن تحتسب على أساس سعر الدولار. هنا النقاش يصبح عبثياً بشكل ما. فسعر «صيرفة» لم يستقرّ بعد ليعتمد بشكل نهائي في الموازنة، بل ما يجب اعتماده هو السعر المتوقع خلال السنة بكاملها، وليس سعراً عمره يومين فقط. وإلى جانب أكلاف التشغيل والصيانة، هناك أكلاف أخرى مثل التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان لشراء الفيول، وكيفية احتساب الدين العام بالدولار (مع اقتطاعات أو من دونها؟). كذلك يتم احتساب كلفة الرواتب والأجور في الموازنة بزيادة تتراوح بين 50% و100%! هناك الكثير من البنود في هذا المجال، مثل الدولار الديبلوماسي، وهل سيواصل مصرف لبنان تمويل الدولة بحاجاتها من الدولارات.

عملياً، كل رقم في النفقات سيؤدي إلى نتيجة مختلفة، وكل نتائج مختلفة تتطلب إيرادات إضافية. فعلى ضفّة الإيرادات يصبح الأمر صعباً أكثر إذا جرى احتساب ضرائب إضافية سواء كانت ضرائب مباشرة أم غير مباشرة. فزيادة الدولار الجمركي لن تؤدي بالضرورة إلى زيادة الإيرادات بالشكل المتوقع لأنه يحفّز التهريب ويقلص الاستيراد ويفاقم الأسعار.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةحميه التقى مسؤولة في الحكومة الفرنسية: لبنان ماض في تفعيل مرافقه العامة
المقالة القادمة«بصمة» و«يالديز» و«دكمة» و«طحش»: عودة إلى «لفّ التُّتُن»!