هل سرت عملية التقشف في موازنة العام 2019 على الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وقد وصفها الرئيس سعد الحريري بأنها الأكثر تقشّفاً في تاريخ لبنان؟ وأين وكيف سرى التقشف على تلك المناصب؟
هذه الأسئلة وغيرها تصبح جدية ومشروعة بعد التدقيق والتعمّق في مواد وبنود قانون الموازنة التي من مفارقاتها احتواءها مادتين (49 و94) تتعلقان بتعديلات القانون 25\74 الذي يمنح مخصصات وتعويضات شهرية للرؤساء والنواب السابقين.
تعديلات وهمية
من المفارقات أن مجلس النواب، في مناقشات الهيئة العامة، ألغى المادة 94 من مشروع الموازنة، والتي تنص على تعديل الفقرة الرابعة من المادة الأولى من القانون 25\74 لجهة تخفيض النسب المئوية التي يتقاضاها النواب السابقون وتجعلها كالتالي: تخفيض المخصصات الشهرية إلى 20 في المئة، إذا انتخب نائباً في دورة نيابية واحدة، بينما المعمول به ولا يزال هو 55 في المئة. وتصل إلى 40 في المئة عن دورتين نيابيتين، والمعمول به حالياً ولا يزال هو 65 في المئة. وترتفع النسبة إلى 60 في المئة عن 3 دورات نيابية، بينما المعمول به ولا يزال هو 75 في المئة عن 3 دورات وما فوق.
هذه المادة وهذا التعديل حُذفا من مواد الموازنة لعدم الاختصاص، لأن مخصصات النواب وتعويضاتهم تُحدد بقانون خاص. وهذا طبعاً من عجائب السياسة اللبنانية وغرائبها، إذ يحوي قانون الموازنة أكثر من 30 مادة تُعدّل في قوانين مختلفة، وهذا ما يُسمى قانوناً فرسان الموازنة التي تُحشر في متنها خلافاً للقانون والدستور.
الضريبة الفُتات
أما المادة 49 من القانون والتي أقرت فهي تُعدّل المادة السادسة من القانون 25\74 بحيث تصبح كما يلي:
تخضع مخصصات كل من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والنواب والوزراء والنواب السابقين للضريبة وفقاً لأحكام الباب الثاني من المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12\6\1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل).
تطبق أيضاً أحكام الفقرة السابقة من هذه المادة على كل من رؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء المجلس النيابي السابقين ورؤساء الحكومة السابقين.
وفي محاولة لفهم مضمون هذه المادة يتبيّن أولاً أن هذه المخصصات لم تكن تخضع لضريبة الدخل، وقد بادرالقادة والساسة في لبنان للمساهمة في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تُعاني منها البلاد بسببهم وبسبب سياساتهم ومحاصصاتهم.
ويتبيّن أن هذه المساهمة ليست سوى ذر الرماد بالعيون، حسب أحد الخبراء الماليين. فالضريبة على مخصصاتهم ليست سوى بعض الفتات، لأن روابتهم مقسمة إلى شطور مختلفة، وغالبيتها لا تخضع للضريبة، والشطر الأصغر، أي المبالغ البسيطة هي التي تدخل تحت عنوان “مخصصات” الوارد في النص. لذا لن تكون المساهة أكثر من نحو 150 ألف ليرة للنائب، على اعتبار أن المخصصات لا تتجاوز المليون ونصف المليون ليرة، والباقي لا يخضع للضريبة.
إثارة الشارع للتعمية
ويقول بعض الخبراء الماليين لـ”المدن”، إن كل هذه المناورات هي للتعمية على المشكلة الأساسية. فقد وضعوا ضريبة على المتقاعدين وخفضوا موازنة الجامعة اللبنانية والإجازة السنوية للموظف وغيرها من الإجراءات، لتحريك الشارع من أجلها والتعمية على غياب السياسة المالية والاقتصادية والنقدية المتمثلة بضرورة خفض فوائد الدين العام، ووقف الهدر في المؤسسات العامة وفي المناقصات العمومية، ووقف إعفاء سندات الخزينة بالعملة الأجنبية من الفوائد وغيرها من القضايا الكبرى التي تمسهم.
رحلة القانون 25\74
أقر القانون 25\74 في عهد الرئيس الأسبق للجمهورية سليمان فرنجية بعدما أبلغه محيطون به أن النائب الأسبق عبد العزيز شهاب شوهد وهو يتنقل بأوتوبيس الدولة لعدم قدرته على شراء سيارة.
ومن أكثر المواد التي عُدلت في هذا القانون هي المادة السادسة التي وردت في موازنة العام 2019. لكن أول تعديل للمادة (6) كان عام 1979. إذ فُرض اقتطاع مبلغ 300 ليرة لبنانية في الشهر من مخصصات وتعويضات الرؤساء والنواب والنواب السابقين، لتدوّن إيراداً للموازنة العامة.
300 نائب سابق
وبلغت مخصصات النواب السابقين خلال الأعوام 2015 و2016 و2017 نحو 15 مليار ليرة، فيما بلغت عام 2018 نحو 29 مليار ليرة. وهذا يعني أن الكلفة تتزايد لأن عدد النواب السابقين زاد أكثر من 70 نائباً.
وفي لبنان اليوم أكثر من 300 نائب سابق، إضافة إلى رؤساء جمهورية وحكومة ومجلس نواب سابقين، وأكثر من 100 نائب متوفين لا تزال أسرهم تتقاضى مخصصاتهم حتى اليوم.
في المحصلة هناك نحو 100 مليار ليرة سنوياً تُدفع للرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين. وكل الاقتراحات التي قُدمت لإلغاء هذه الكلفة أو تخفيضها، كان مصيرها الفشل. ففي العام 2001 اقترح النائبان عباس هاشم وفريد مكاري تخفيض المخصصات والتعويضات بنسبة 50 في المئة، إذا ثبت أن ليس لديهم أي مدخول آخر يعادل 50 في المئة من مخصصاتهم وتعويضاتهم.
وفي العام 2018 تقدم الرئيس نجيب ميقاتي باقتراح لإلغاء هذا القانون والتعويضات، كما تقدم النائب سامي الجميل باقتراح يقضي بإلغاء تعويضات النواب السابقين، والإكتفاء بـ 75 في المئة من رواتبهم لمدة سنة واحدة فقط، بعد إنتهاء ولايتهم.
واقترحت النائبة بولا يعقوبيان تخفيض المخصّصات والتعويضات، مثل كلفة هاتف النائب وسيارته وسائقها وغيرذلك. وكذلك تخفيض رواتب النواب إلى النصف، إضافة إلى حسم مبالغ من رواتبهم، في حال تغيّبهم عن الجلسات.