استطاع البعض من الشباب العربي تحويل الأعباء المعيشية والاقتصادية إلى فرص يمكن الاستفادة منها، بفضل إرساء بعض بلدان المنطقة قواعد وأسس من أجل التعامل بالتكنولوجيا المالية. وتشير بيانات البنك الدولي في تقرير نشره في 2016 بعنوان “الادخار من أجل الشيخوخة” إلى أنّ 7 في المئة من البالغين في المنطقة التي تقطنها مجتمعات شابة وتسجّل معدّلات بطالة عالية، يدّخرون للتقاعد، وهو المعدل الأدنى في الاقتصادات العالمية.
واليوم، يرى خبراء معهد ميلكين وهو مركز أبحاث المتخصص أن قطاع التكنولوجيا المالية يشهد ازدهارا في الشرق الأوسط. ويقدّر المعهد بأن نحو 465 شركة تمويل تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في المنطقة ستدر أكثر من ملياري دولار بحلول العام المقبل، مقابل 30 شركة في عام 2017 وما يقرب من 80 مليون دولار. وبحسب شركة أس.أند.بي الاستشارية في تقرير نشرته في 2019، فإن هذا النمو سيتزايد خصوصا في دول الخليج العربي حيث يرتفع طلب الزبائن على الخدمات المصرفية الرقمية.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة ثروة للاستشارات المالية في دبي مارك شهوان لوكالة الصحافة الفرنسية “سلكنا نحن العرب الطريق الصعب لتحقيق الثروات”، مضيفا “نعتقد أن دخلنا هو ما سيجعلنا أغنياء بدلا من رأسمالنا”. ومنذ فترة طويلة، قدمت معظم دول الخليج العربي الغنية بالنفط، بما في ذلك السعودية، أكبر مصدّر للخام في العالم، رواتب تقاعدية للمواطنين بدعم من الحكومة.
لكن مسؤولين سعوديين حذروا، وفق وكالة بلومبرغ من أن هذا النظام غير مستدام، في وقت تحاول الرياض تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط. وازدهرت بنوك رقمية عديدة في العالم خلال السنوات الماضية، لعل أكبرها نوبنك البرازيلي الذي له أكثر من أربعين مليون زبون. ويشير شهوان إلى أنّه لاحظ تحوّلا في السلوك المالي بالشرق الأوسط خلال العام الماضي، حينما كانت الجائحة مسيطرة على المخاوف ما أدى إلى إغلاقات اقتصادية. وأرجع الخبير المالي ذلك في جزء كبير منه إلى الوباء الذي هدّد بتدمير العديد من الصناعات وشهد خسارة الكثير من الناس وظائفهم. ويذكر أنّ هناك زيادة بنسبة 80 في المئة في تعاملات “ثروة” الجديدة منذ الربع الأول من عام 2020، بما يصل إلى 45 ألف محفظة للأفراد تتراوح أعمارهم بين 25 و45 عاما.
وبحسب شهوان، فإنّ الزبون العادي جديد على فكرة الاستثمار الطويل الأجل، ولا يزال العديد من العرب مترددين بشأن الاضطرار إلى حصد الفوائد لاحقا بدلا من تحقيق أرباح سريعة. ويوضح “ليست لدينا ثقافة بشأن الاستثمار طويل الأجل”. وهناك مشكلة أخرى، وهي المشهد الاستثماري بالمنطقة، إذ يقتصر في الغالب على الأفراد من ذوي القدرة المالية العالية، وعادة ما يتم تعريفهم على أنهم الأشخاص الذين يمتلكون ما لا يقل عن مليون دولار من الأصول السائلة.
ويرى مدير حلول الاستثمار في بنك الفجيرة الوطني الإماراتي هيثم جمعة أنّه “إذا أراد شخص ما استثمار ألف دولار أو 10 آلاف دولار، فلن يجد الكثير لفعله”. ويشير إلى أنّ المستثمرين من أصحاب الإمكانيات الأصغر، يحتاجون إلى خيارات أكبر. وقال “ما زلنا في المراحل الأولى”. ولفت جمعة إلى سعي المصارف والشركات المحلية إلى إنشاء منصّات على الإنترنت لتثقيف المستخدمين وتبسيط فكرة الاستثمار. وبالنسبة إلى لون، وهي منصة مالية إلكترونية تمّ إطلاقها في يوليو في الإمارات، فإنّ تسهيل العملية وجعلها أكثر متعة، أمر أساسي لجذب مستثمرين جدد.
ويوضح أحد مبتكري التطبيق ألكسندر سويد “لا يهم سنهم أو دخلهم أو خبرتهم”، مضيفا أن “المنصة تركّز على الخطوات الأولية للإدارة والادخار ثم الاستثمار، وتشجيعهم على استخدام أدوات بسيطة عبر الإنترنت”. ويرى سويد أنّ سكان المنطقة “باتوا يريدون أن يكونوا أكثر استقلالية بدءا من أعمار صغيرة”.