يُعرف عن اللبنانيّ حبّه للتطوّر وأسبقيّته في عالم الابتكار وتأقلمه مع التكنولوجيا وتطويعها لمصلحته منذ أن عرف كيف يتغلّب على أمواج المتوسّط وشقّ طرقه إلى العالميّة والانتشار. والأمر ليس مغايراً في عصرنا الحاليّ، فلبنان من الدول التي تبعت التطوّرات التكنولوجيّة وخصوصاً في التكنولوجيا الماليّة: آليّات الدفع عبر الهاتف المحمول أو الأموال المتنقّلة، وغيرها.
منذ فترة، تضرب أزمة الفقر لبنان بشدّة، وعلى الحكومة اللبنانيّة أن تستند الى التقنيّة الماليّة لخفض معدّلات الفقر، وإعادة تمكين النموّ الاقتصادي في البلد. مكننا تشبيه أزمة البلد وانهياره الحالي بأزمة العام 2008 الاقتصاديّة العالميّة من حيث انعدام الثقة والانهيار. تبرز اليوم أزمة ثقة بين اللبنانيّ والبنوك التجاريّة، وكذلك البنوك التجاريّة ومصرف لبنان بما يضعه من تدابير احترازيّة عليها. هذه الظروف شكّلت في ظلّ الأزمة العالميّة عوامل محفّزة لانتشار التكنولوجيا الماليّة وتطوّرها، وقد يشهد لبنان طفرة مماثلة لما تقدّمه هذه التكنولوجيا من وسائل مفيدة خصوصاً في خفض التكلفة في ظلّ أزمة يسعى فيها المواطن للحفاظ على كلّ قرش ممكن. كذلك، قد يجد اللبنانيّ حلولا لأزمته الحاليّة تؤمّنها التكنولوجيا الماليّة كالتحويل الماليّ وعمليّات السداد، والاقتراض بين الأفراد، والعملات المشفّرة على مثال البيتكوين وغيرها التي يمكن أن تؤدّي دورا مهمّا في تمكين الاندماج الماليّ في لبنان.
ولا نعني بالاندماج الماليّ اندماج المصارف والهيئات المصرفيّة، فالاندماج الماليّ مصطلح تقنيّ وهو بحسب البنك الدوليّ بالتعريف: «مقدرة الأفراد والشركات على الوصول، وبتكاليف أقلّ، إلى طيف واسع من المنتجات والخدمات الماليّة المفيدة والملائمة: (التحويلات، وعمليّات السداد، والادّخار، والائتمان، والتأمين) التي يقدّمها مزوِّدون مسؤولون ومَوثوقون». إنّ مؤشّر النموّ الاقتصاديّ في لبنان معتلّ نظراً لتداعيات جائحة كورونا، والعوامل السياسيّة الّتي تُعرقِل تشكيل الحكومة… لكن يبقى الابتكار هو أحد العوامل الأهمّ في تخطّي الأزمات، وهي الحكمة الأزليّة على مرّ العصور.
إنّ المشهد اللبنانيّ ليس بعيدا كما ذكرنا عن مجال التكنولوجيا الماليّة، لا بل بسبب النظام الاقتصاديّ المتطوّر، فإنّ لبنان يكوِّن واحة للكثير من الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ تمنح الحكومة اللبنانيّة المستثمرين الإقليميّين والدوليّين العديد من الفرص الماليّة وغير الماليّة. فقدّمت مختلف الوزارات والمنظَّمات الإعفاءات والمزايا الضريبيّة الكثيرة، علماً أنّ شركات التكنولوجيا الرقميّة تأتي في المركز الرابع في سلّم الصناعات اللبنانيّة. كما أنّ المجتمع اللبنانيّ يُظهِر اهتماما بالتكنولوجيا الجديدة المبدعة ويتكيّف معها. ويأتي لبنان في المرتبة الثالثة بين البلدان العربيّة في تطبيق الخدمات المصرفيّة الرقميّة.
اليوم نضع بعض التساؤلات في عهدة الحكومة اللبنانيّة التي ننتظر تشكيلها، عن استراتيجيّاتها الاقتصاديّة للنهوض في المرحلة الإنقاذيّة، وعن جدول أعمال هذه الحكومة «الاختصاصيّة» المنتظرة، هل سيتضمّن استراتيجيّات التكنولوجيا الماليّة؟ وكيف سيوظّف ما تقدّمه من مرونة وقدرة تنافسيّة نأمل أن تُعيدا إلى لبنان دوره على المستوى المحلّي والإقليميّ والدوليّ.