في ظل الفراغ الرئاسي وبسبب تعطيلات التوافق السياسي على تنصيب مسؤولين جدد في المراكز العليا بالدولة تتجه الطبقة الحاكمة في لبنان إلى الاستعانة بآلية التمديد للحفاظ على سير دواليب المؤسسات إلى حين استكمال إرساء المؤسسات الدستورية.
يعكف المسؤولون اللبنانيون على إيجاد مخرج قانوني لسد الشغورات في المناصب المالية والأمنية العليا في ظل فراغ رئاسي يشل مهام حكومة تصريف الأعمال ذات الصلاحيات المحدودة.
ويقول محللون إن سيناريو التمديد للمسؤولين في المناصب العليا الذين سيبلغون سن التقاعد هذا العام هو الأكثر ترجيحا والأقل كلفة سياسيا في ظل توقعات بطول أمد الفراغ الرئاسي في البلاد والذي لا يتوقع مراقبون تجاوزه خلال السنة الجارية.
وقال وزير المالية اللبناني يوسف خليل إن استبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يشغل المنصب منذ ثلاثة عقود سيكون صعبا، وقد يتم تمديد ولايته رغم عدم التوصل إلى توافق بشأن ذلك حتى الآن.
وأضاف خليل، ردا على سؤال عما إذا كانت المناقشات بشأن خليفة محتمل قد بدأت، أنه لا يوجد توافق بعد، مشيرا إلى أن المناخ السياسي الحالي في لبنان يجعل من الصعب بشكل خاص إجراء تغيير كبير مثل هذا.
وذكر، على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي قبل أيام، أنه من الوارد وجود خطة لتمديد فترات جميع موظفي الخدمة العامة من المستوى الأول وليس فقط سلامة، لكن لا يوجد إجماع على ذلك.
وقال سلامة هذا الشهر إنه لن يسعى للحصول على فترة جديدة. وستنتهي ولايته الحالية البالغة ست سنوات في يوليو. ويحقق مع سلامة مدعون أوروبيون ولبنانيون بشأن ما قيل عن اختلاس مئات الملايين من الدولارات من الأموال العامة، وهو اتهام ينفيه.
ويشير مراقبون إلى أن تعقيدات الوضع السياسي في البلاد ومعرفة سلامة مسبقا باستحالة تنصيب حاكم جديد للبنك المركزي، في ظل الانقسامات الموجودة، دفعتاه إلى ممارسة ضغوط على الطبقة السياسية الحاكمة المأزومة تشريعيا من باب التصريح بعدم رغبته في البقاء على رأس البنك المركزي.
ويؤكد هؤلاء أن سلامة على قناعة تامة بأنه سيعاد التمديد له على الرغم من التحفظات السياسية عليه، وهو ما يبقيه في موقع قوة.
وتشير دوائر سياسية إلى أن الوضع القائم حاليا، مع شغور السلطة الإجرائية وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم مصرف لبنان، يفرض على الحكومة إيجاد حلّ.
ويرفض رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي تسليم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان (الشيعي) حاكمية مصرف لبنان بالإنابة، كذلك الأمر بالنسبة إلى نائب الحاكم الدرزي. وتقول مصادر سياسية إن لا أحد يمكنه تحمّل مسؤولية دولار بمئة ألف ليرة إذا شغُر منصب الحاكم. وبالتالي تعمل القوى السياسية على مشروع قانون يُجدّد فيه لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة لولاية جديدة.
وتشهد الساحة السياسية اللبنانية حاليا حالة من الغموض والقلق بشأن مسار العمل في المؤسسات الدستورية وبقاء البلاد في حالة الفراغ الرئاسي منذ الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، وما خلفه ذلك من تداعيات على عمل مجلس النواب تتعلق بمسألة التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، إلى جانب مخاوف حول مسار الحكومة التي تولت صلاحيات رئيس الجمهورية بحكم الدستور على ضوء تهديد أحد الفرقاء السياسيين بانسحاب وزرائه في حال التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين.
ويعاني لبنان من أزمة بالغة التعقيد جراء الفراغ الرئاسي، مع بروز جملة من الملفات التي وضعت البلد أمام مخاطر الفراغ الشامل، والعبث بالمؤسسات الدستورية مع عدم الاتفاق على ملء الشغور الذي يهدد عددا من المراكز الأولى في المؤسسات العسكرية والأمنية.
ويعتبر مراقبون أن الفراغ الرئاسي والحكومي في لبنان يؤدي إلى استمرار التأزم الاقتصادي والاجتماعي، ويرون أنه يؤدي بشكل أساسي إلى تأجيل كل الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، إلى حين انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يؤدي من وجهة نظرهم إلى استمرار معاناة اللبنانيين من أزمات متصاعدة (سعر الصرف، زيادة أسعار المحروقات والمواد الغذائية، شح الأدوية…).
ووسط كل ذلك الجدل يرى جانب من اللبنانيين أن انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة لا يمثلان تهديدا للبنان، وأن التحدي الحقيقي يتعلق بإصلاح جدي في مجال التشريعات وتطبيقها.
ويعتبر هؤلاء أن القوانين التي تطالب بالإصلاح كثيرة في لبنان، لكنها لا تُفعّل، وأن تجربة الرئيس السابق ميشال عون في هذا المجال تمثل أكبر دليل، إذ أدت المواجهة التي قادها الرجل مع المنظومة الحاكمة إلى نتائج مأساوية.
وبفعل تعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان يستغرق اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليفها، في العادة أشهرا عديدة. وفي عام 2016، إثر مرور أكثر من عامين على الشغور في سدة الرئاسة، جاء انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين.
لكن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا يبدو مختلفا، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها البلاد وأدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وكذلك في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية بشأن ملفات ملحة، أهمها القيام بإصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطا لدعم لبنان.