انتظر لبنان سنوات طويلة للانتقال إلى مرحلة استكشاف النفط في مياهه، وربما يحتاج إلى عدد سنوات مماثل للبدء بالإنتاج. التمهيد لمرحلة تطوير أي حقل نفطي يحتاج بالدرجة الأولى إلى أسواق داخلية لاستهلاك الكميات التجارية. فالبحث عن أسواق خارجية سيؤخر الاستفادة من هذا القطاع
مع الإعلان عن بدء عملية الاستكشاف في مياهه، انتقلَ لبنان إلى مرحلة جديدة في عالم النفط والغاز. مرحلة يبدو فيها الحذر من المُبالغة في التوقّعات الإيجابية واجباً. الاعتقاد بأن البلاد في مرحلة مُقبلة ستنام على أزماتها الاقتصادية وتستيقظ على نموذج الدول الغنية خاطئ. هذا المسار يحتاج إلى خريطة طريق ومراحِل متعدّدة قد تأخذ سنوات. كما أنه من المُبكِر تصوير وكأن عائدات النفط ستحل أزمات البلاد، علماً أن الاستفادة منها لن تتحقّق قبلَ عشر سنوات، وهو مسار قابِل للتجميد في حال عدم وجود أسواق داخلية تستهلِك الإنتاج!
قبلَ يومين باشَرت باخرة الحفر «Tungsten Explorer» عملها في المياه اللبنانية، حيث يُفترض بأن يستمر على مدى شهرين، قبلَ أن تجري شركة «توتال» التحاليل اللازمة بهدف تحديد إذا ما كانت هناك كميات تجارية قابلة للاستخراج. وفقَ التوقّعات، لا يزيد احتمال وجود «ثروة» في البئر الأولى عن 25 في المئة، وهذا أمر طبيعي عاشته كل دول العالم، بحيث إنها احتاجت إلى حفر أكثر من بئر، بعدَ أن كانَت البئر الأولى، على رغم خلوّها، مصدراً غنياً بالمعلومات الجيولوجية يُمكن الاستناد إليها لحفر آبار أخرى.
في الحالتين، أي اكتشاف كميات تجارية قابلة للاستخراج أم غير قابلة (في الحالة الثانية، لن يُصار إلى حفر بئر استكشافية ثانية في البلوك رقم 4 قبلَ السنة المقبلة)، يتحدث خبراء في قطاع النفط والغاز عن مسار آخر موازٍ لمرحلة الاستكشاف، لم تتنبه إليها الدولة اللبنانية، وهو كيفية تطوير السوق الداخلية، لأن «إغفال هذه الخطوة يعني تأجيل الإنتاج 10 سنوات». فمرحلة الاستكشاف تليها مرحلة تطوير الحقول للإنتاج، وهذا الأمر يجِب أن تسبقه خطط تسويقية، أهمها إيجاد سوق داخلية لاستهلاك الكمية، على سبيل المثال «تحويل كل معامِل الكهرباء في البلد للعمل بالغاز الطبيعي»، لأن «وجود كميات من الغاز قابلة للاستخراج من دون وجود سوق داخلية للاستهلاك، سيدفع بالشركات إلى عدم تطوير الحقل على مدى سنتين أو ثلاث، أي الانتقال إلى مرحلة جديدة، بل ستذهب للبحث عن أسواق خارجية، وهو ما يحتاج إلى استثمار عالٍ». ومن شأن ذلك أن يوقِع لبنان بتجربة قبرص في حقل «أفروديت»، فقد بدأت الاكتشافات في عام 2011، وحتى الآن لم يبدأ الإنتاج.
من هذه النقطة، ينطلق مطّلعون على الملف، للإشارة إلى نقطة محطات الغاز (FSRU) المخصّصة لتحويل الغاز المسال المستورد بحراً إلى غاز يُستخدم في معامل إنتاج الكهرباء، كخطوة من شأنها تأجيل الإنتاج إلى عام 2032؟ يعتبر هؤلاء أن على الدولة اللبنانية الأخذ في الاعتبار أن نتائج الاستكشاف في البئر الأولى يُمكن أن تكون إيجابية، وفي حال وقّعت الدولة عقود استجرار الغاز من الخارج تصِل مدتها إلى عشر سنوات، ذلك يعني عدم وجود أسواق داخلية، لأن المؤسسات تؤمّن حاجتها من الخارج. ولأنه سيكون من الصعب فسخ العقود بسبب الغرامة العالية التي ستتكبّدها الدولة، ذلك يعني أن الشركات التي تتولّى اليوم التنقيب والحفر ستكون ملزمة بانتظار إيجاد أسواق داخلية، أو البحث عن سوق خارجية. يشدّد المطلعون على ضرورة الالتفات إلى هذا الأمر، خاصة أنه «في حال وجود كميات تجارية كافية مع توافر سوق داخلية، سيتيح ذلك للشركات تطوير حقل صغير لتمويل معامل للكهرباء بين عامي 2023 و 2025»، أما البحث عن أسواق خارج لبنان فمن شأنه أن يؤجّل عملية تطوير الحقل إلى عام 2028 أو عام 2030، أي أن هناك 10 سنوات تفصلنا عن التصدير. التشديد على تأمين أسواق داخلية، كما يقول المطلعون، نابِع أيضاً من كون أن «تصدير الغاز إلى الخارج هو أمر بالِغ الصعوبة، نظراً إلى تداخل العوامل السياسية فيه»، فهذه العملية ليست تقنية، وإنما تحتاج في المقابل إلى عمليات تفاوضية تقوم بها الدولة اللبنانية مع عدد من الدول.