تشهد الحدود اللبنانيّة السوريّة هدوءاً حذراً ينسحب على موضوع التهريب الذي كان نشِطاً لسنواتٍ طويلة، وهو اليوم يعيش حالة من الجمود التي فرضتها التطوّرات السوريّة، إضافة إلى انتشار الجيش اللبناني عند الحدود منذ بداية الثورة السوريّة. فيما يستمرّ الأمن العام في مراقبة المعابر الشرعيّة ومنح تأشيرات الدخول والخروج بين البلديْن. بالإضافة إلى دخول إسرائيل على خطّ مُراقبة المعابر من الجوّ بما قلّص عمل المُهرّبين إلى حدوده الدنيا.
تشير المعطيات والمستجدّات إلى أنّ التهريب بين لبنان وسوريا تراجع إلى درجة الاضمحلال الموقّت على الأقل، من دون أن يعني ذلك أن المشكلة انتهت إلى غير رجعة. لكن الظروف المرتبطة بالتطورات التي شهدتها الحرب في لبنان، بالإضافة إلى الظروف والمستجدّات في الداخل السوري، ساهمت كلها في “تجميد” مشكلة التهريب في الاتجاهين. لذا لا يُمكن الحكم على واقع التهريب إلّا بعد استقرار الأوضاع، لمتابعة ما قد يستجد في هذا الاتجاه.
في هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ “نداء الوطن”، إلى أنّ “التهريب شبه متوقّف حاليّاً، أوّلاً بسبب الرقابة الدوليّة وثانياً رقابة العدو الإسرائيلي، والتي تتمّ بواسطة المسيّرات التي تُراقب المنطقة بشكلٍ مستمرّ ومتواصل. هذا يمنع التهريب أو أقلّه يُخفّفه لأنّ هناك ممرّات لا يُمكن رؤيتها، هناك مثلاً خنادق تحت الأرض معدّة للتهريب وقساطل ممدودة بين لبنان وسوريا، ويختار المهرّبون نقطة عالية في سوريا لنقل البضائع إلى لبنان ونقطة مُنخفضة في لبنان ويمدّون قسطلاً بلاستيكيّاً ويمرّرون عبره البضائع“.
وعمّا إذا كان مردود التهريب باتجّاه لبنان إيجابي، يُجيب: “مَن يُطالب بدولة القانون لا يُمكنه اعتماد اقتصاد غير رسمي، ومن وجهة نظر اجتماعية بحت أموال التهريب كانت تذهب إلى فئة اقتصاديّة معيّنة ولم يكن يستفيد منها الاقتصاد أو الشعب اللبناني، وكان يشغله تجّار سوريّون ولبنانيّون من كبار التجّار وأصحاب مناصب”.
قرارٌ سياسي
ويُشدّد عجاقة على أنّ “وقف التهريب يعتمد على القرار السياسي، الجيش اللبناني اليوم قادر على إيقافه وليس فقط هذا بل والقضاء عليه نهائيّاً بالقوّة. الأجهزة الأمنيّة ومخابرات الجيش وأمن الدولة والأمن العام يعرفون الشاردة والواردة، يكفي أنْ يكون هناك قرار سياسي كي يقمعوا التهريب بكل سهولة. لديْهم الإثباتات وبالأسماء ويُمكنهم التوجّه إلى منازلهم وتوقيف نشاطهم غير الشرعي، وليس انتظارهم لتوقيفهم بالجرم المشهود أو على الحدود فقط. تقرير مجموعة العمل المالي الدوليّة الصادر في كانون الأوّل 2023 يقول حرفيّاً: الأجهزة الأمنيّة من مخابرات الجيش والمعلومات وأمن الدولة لديهم المعلومات عن كافّة الفاسدين. من هذا المُنطلق، إذا كان هناك قرار سياسي يقف التهريب تلقائيّاً وبلمح البصر وبإشارة واحدة”.
تحسين العلاقات الاقتصاديّة
في موضوع العلاقات الاقتصاديّة بين البلديْن، يقول عجاقة أنّ “المطلوب اليوم تحسين العلاقات الاقتصاديّة وضبط الحدود. منذ العام 1975 حتى اليوم كانت هناك هيمنة سوريّة واضحة على لبنان، لذلك كل الاتفاقيات التي عُقدت سواء في المجال الاقتصادي أو غيره لم تكن كلها لصالح لبنان، ولذلك فإنّ المطلوب من الحكومتيْن اللبنانيّة والسوريّة إعادة درس هذه الاتفاقيّات من أجل إعادة التوازن. لا نطلب هيمنة الجانب اللبناني على السوري بل إعادة التوازن، لأنّ كل الاتفاقيات والمعاهدات التي تمّ توقيعها بين البلديْن منذ الخمسينات حتى اليوم كانت في معظمها لمصلحة سوريا. يكفي أنْ ننظر مثلاً إلى كيفيّة توزيع مياه نهر العاصي عام 1994. النهر ينبع من لبنان ويتّجه نحو سوريا، لا يحقّ للبنان حتى بناء جسر عليه بموجب هذه الاتفاقية. وبالتالي على لبنان أنْ يعيد النظر في طبيعة الاتفاقية، لأنها تحتاج إلى إعادة دراسة في المُطلق”، مُشيراً في هذا الإطار إلى أنّ “الإمكانيّة قد تكون مُتاحة اليوم مع النظام الجديد في سوريا، والذي يُظهر إشارات إيجابيّة على التغييرات. لذلك فإنّ إعادة دراسة الاتفاقيات أمر مُحبّذ لأنها ستعيد إلى لبنان بعضاً من التوازن مع سوريا”.