في بلد يعتمد على السياحة كشريان حياة، يجد لبنان نفسه يواجه خطراً من نوع آخر، وهو التهويل الإعلامي المستمر. فبينما يكافح اللبنانيون لتجاوز التحديات الأمنية والاقتصادية، تتحول بعض وسائل الإعلام إلى أداة لنشر القلق والتشاؤم. ومن المنصات الإلكترونية إلى المحطات التلفزيونية، تبرز مواقع التواصل الاجتماعي كمسرح رئيسي لهذا التهويل، ليبدو المشهد وكأنه سباق على بث الخوف، بينما هو في الحقيقة سباق على عدد المشاهدات.
في البداية، يلفت الصحافي نذير رضا إلى أن الإعلام اللبناني أصبح يركّز بشكل كبير على الإثارة، خاصة من خلال عدد كبير من المنصات الجديدة والأشخاص الذين منحهم التواصل الاجتماعي نفوذاً واسعاً، ويسعون لأن يصبحوا نجوماً. ويضيف رضا أن التخويف هو أحد أكثر الأساليب التي تزيد من تفاعل الجمهور، خصوصاً بين الناس العاديين الذين لا يتابعون الأخبار السياسية أو المصادر الرسمية.
وبعيدًا عن السعي للشهرة، يقول رضا أن التهويل قد يُستخدم أحيانًا لأهداف سياسية منظمة، لكنه لم يلاحظ مثل هذا التهويل خلال الشهرين الماضيين.
وبالحديث عن المخاطر، يعتبر رضا أن التهويل يُشكّل تهديدًا حقيقيًا للمصلحة الوطنية، إذ كلّما حاول لبنان النهوض بمساعدة تدفق السياح والمغتربين، تعيده موجات التخويف إلى الوراء، خصوصًا من خلال تضخيم المخاطر الأمنية.
وفي ظل عدم قدرة وزارة الإعلام على الإمساك بالجوّ العام بسبب حماية حرية التعبير، يرى رضا أن الحلّ يكمن في تعزيز الوعي الإعلامي، ضمن استراتيجية أوسع لمكافحة التضليل والتطرف عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. أما في ما يخص الفوضى على مواقع التواصل، فيوضح أنه في حال ثبت نشر معلومات كاذبة من قِبل جهة أو فرد، يمكن لوزارة الإعلام التنسيق مع وزارة الاتصالات لمطالبة المنصات الرقمية بحظره.
وفي ما يتعلّق بالمنصات الإخبارية الرقمية التي لا يوجد إحصاءات دقيقة بعددها، إن المشكلة الأساسية تكمن في أن القانون الإعلامي الحالي لا ينظم بشكل كاف وجودها، مما يترك العديد منها غير مرخصة وغير خاضعة للمساءلة، وفق رضا.
وعلى العموم، يوضح أن الحل الأمثل يجب أن يتبلور عبر قانون الإعلام الجديد، الذي تُناقش مسودته منذ عام 2008 وما زال عالقًا دون إقرار نهائي.
وعندما نتحدث عن التكلفة الحقيقية للتهويل الإعلامي، لا يمكن تجاهل الأثر المدمر على قطاع السياحة الذي يعتمد عليه لبنان كعصب للاقتصاد. في السياق، يؤكد رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر أن التهويل الإعلامي والسياسي حول احتمال اندلاع حرب إسرائيلية في آب والحديث عن حرب حدودية محتملة مع سوريا، أثّر سلباً على الحجوزات السياحية، وقلّص رغبة كثيرين من السياح في القدوم إلى لبنان.
ويختصر الأشقر المشهد بالقول: الحرب هي العدو الأول للسياحة. أما عن أكثر المناطق تضرراً، يشير إلى أن الجنوب تحوّل من وجهة سياحية أساسية قبل 2024، إلى منطقة يفضل السياح والمغتربين الابتعاد عنها، رغم أن معظمه بات آمناً.
وعن دور الإعلام، يشدد الأشقر على أن نقل الأخبار أمر مفيد بطبيعته، لكن عندما يتحول إلى تنظير وفوضى، يصبح ضاراً خاصة عند نشرها على مشارف المواسم السياحية.
وفي ما يخص دعم القطاع، يعتقد الأشقر أننا لا نحتاج حالياً إلا إلى الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى ضبط التصريحات والمقالات المتشاءمة بشكل مضخّم.
إذاً، التهويل الإعلامي في لبنان تجاوز حدود المقبول وبات أشبه بمنافسة لدفع لبنان نحو العزلة الحقيقية، في حين نجد كثيرًا من الدول التي تعاني تحديات أخطر، لا تروّج لسلبياتها، بل تركز على إبراز إيجابياتها لجذب السياح ومحاولة انتشال نفسها.



