التوقعات القاتمة تنذر بتقلبات أكبر للاقتصاد العالمي

طغت العلامات المتزايدة على ضعف النمو والمخاطر الناشئة في سوق العمل على تجمع لصناع السياسات العالميين في مؤتمر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) السنوي في جاكسون هول بولاية وايومنغ.

ويسلط هذا الأمر الضوء على المسار المتغير للسياسة النقدية مع تطلع البنوك المركزية الأميركية والأوروبية إلى خفض أسعار الفائدة.

وحتى مع تحول تركيز محافظي البنوك المركزية من التضخم المرتفع إلى ضعف أسواق العمل، أكد بنك اليابان المركزي عزمه على فطام اقتصاده عن عقود من الدعم النقدي وسط علامات متزايدة على نمو الأسعار المستدام.

ويشير التباعد في اتجاه السياسة، إلى جانب الضعف المستمر في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى أوقات مضطربة للاقتصاد العالمي والأسواق المالية.

وتذوق صناع السياسات الذين اجتمعوا في الندوة الاقتصادية السنوية بالفعل طعم ما قد يأتي عندما أدت بيانات الوظائف الضعيفة في الولايات المتحدة في وقت سابق هذا الشهر إلى تأجيج المخاوف من الركود.

كما تسببت هذه الأنباء في هزيمة السوق التي تفاقمت بسبب الرفع المفاجئ للفائدة من قبل المركزي الياباني في يوليو الماضي.

وإلى غاية الآن، يتفق العديد من المحللين مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد العالمي سوف يحقق نموا متواضعا في السنوات القادمة مع تحقيق الولايات المتحدة هبوطا ناعما، وانتعاش النمو في أوروبا وخروج الصين من الركود.

ولكن مثل هذه التوقعات الوردية ترتكز على أرض مهتزة مع ظهور الشكوك حول احتمالات الهبوط الناعم في الولايات المتحدة، وفشل النمو في منطقة اليورو في الانتعاش ومعاناة الصين من تباطؤ الاستهلاك.

وأكد الصندوق قبل أسابيع أن الاقتصاد العالمي يواجه بشكل متزايد خطر الركود، وقد يخسر 4 تريليونات دولار من الناتج الإجمالي حتى 2026.

وفي حين تتجه البنوك المركزية الكبرى نحو خفض الفائدة، ما زال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت هذه التحركات يمكن تصنيفها على أنها “تطبيع” للسياسة التقييدية أو خطوات أولى لمنع النمو من التعثر أكثر.

وقد يؤدي عدم اليقين إلى جعل الأسهم والعملات العالمية عرضة للتقلبات. وقال كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد بيير – أوليفييه غورينشا “قد نشهد حلقات أخرى من تقلبات السوق حيث إن الأسواق في منطقة مجهولة بعض الشيء”.

وكان غورينشا يشير في كلامه إلى تدخل البنوك المركزية الكبرى في دورة تخفيف نقدي بعد تشديد السياسة للتعامل مع موجة من التضخم.

وأضاف أن “اليابان في دورة مختلفة قليلا. يجب على الأسواق أن تكتشف ما يعنيه كل هذا، وتبالغ الأسواق في رد الفعل. لذا، سيكون لدينا المزيد من التقلبات”.

وفي خطابه الذي طال انتظاره، أيد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الجمعة الماضي، بداية وشيكة لخفض الفائدة، معلنا أن المزيد من تهدئة سوق العمل سيكون غير مرحب به.

وكان هذا تحولا كبيرا عن تعليقات باول حيث ارتفع التضخم في عامي 2021 و2022، وعزز الرأي القائل بأن الاحتياطي الفيدرالي كان يتحول من سياسة دفعت سعر الفائدة القياسي إلى أعلى مستوى في ربع قرن وأبقته هناك لأكثر من عام.

وأظهرت دراسة بحثية جديدة قدمت في جاكسون هول أن الاقتصاد الأميركي ربما يقترب من نقطة تحول، حيث سيترجم الانخفاض المستمر في فرص العمل إلى زيادات أسرع في البطالة.

ويتفق صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي على خفض الفائدة في سبتمبر المقبل، ويرجع ذلك جزئيا إلى تخفيف ضغوط الأسعار، ولكن أيضا بسبب ضعف ملحوظ في توقعات النمو.

ولم ينمُ اقتصاد منطقة اليورو بالكاد في الربع الثاني من 2024، حيث انكمش الناتج الإجمالي لألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، وظل التصنيع في حالة ركود عميق وتعثرت الصادرات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضعف الطلب من الصين.

وقال أولي رين، المسؤول عن تحديد الفائدة في البنك المركزي الأوروبي، إن “الزيادة الأخيرة في مخاطر النمو السلبي في منطقة اليورو عززت الحجة لصالح خفض الفائدة في اجتماع السياسة النقدية المقبل للبنك المركزي الأوروبي في سبتمبر”.

وحتى في اليابان، أظهرت بيانات التضخم الأخيرة تباطؤا في نمو الأسعار المدفوع بالطلب، والذي قد يعقد قرارات بنكها المركزي بشأن المزيد من رفع أسعار الفائدة.

وفي حين انتعش الاستهلاك في الربع الثاني، هناك حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الأجور سترتفع بما يكفي لتعويض الأسر عن ارتفاع تكاليف المعيشة، كما يقول المحللون.

الصين لاعب كبير في الاقتصاد العالمي. والنمو الأضعف في الصين له آثار جانبية على بقية العالم

وقالت سايوري شيراي، عضو سابق في مجلس إدارة المركزي الياباني، والتي تعمل الآن أستاذة في جامعة كيو في طوكيو إن “الطلب المحلي ضعيف للغاية. ومن منظور اقتصادي، لا يوجد سبب وجيه يدعو بنك اليابان إلى رفع الفائدة”.

وتضيف مشاكل الصين واقتصادها إلى هذا المزيج من الكآبة، فالدولة الآسيوية الأكثر سكانا في العالم مع الهند، على وشك الانكماش وتواجه أزمة عقارية مطولة، وديونا متزايدة، ومعنويات ضعيفة للمستهلكين والشركات.

وأجبر النمو الأضعف من المتوقع في الربع الثاني البنك المركزي الصيني على إجراء تخفيضات مفاجئة في الفائدة الشهر الماضي، وتزيد من احتمالات خفض صندوق النقد توقعات النمو للبلاد.

وقال غورينشا إن “الصين لاعب كبير في الاقتصاد العالمي. والنمو الأضعف في الصين له آثار جانبية على بقية العالم”.

ومن شأن المزيد من العلامات على تباطؤ النمو في الولايات المتحدة والصين أن ينذر بالسوء بالنسبة للمصنعين في جميع أنحاء العالم الذين يشعرون بالفعل بالضغوط الناجمة عن ضعف الطلب.

وأظهرت المسوحات الخاصة أن المصانع واجهت صعوبات في يوليو في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، مما يزيد من خطر التعافي الاقتصادي العالمي الضعيف.

وبالنسبة للاقتصادات الناشئة الغنية بالموارد مثل البرازيل، فإن تباطؤ الصين قد يؤثر على صادرات المعادن والأغذية، ولكنه قد يساعد في تخفيف الضغوط التضخمية من خلال الواردات الأرخص.

وقال محافظ البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو، متحدثا في الجلسة الختامية لمؤتمر جاكسون هول، إن “التأثير الصافي يعتمد على مدى التباطؤ”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةآمال خفض «الفائدة الأميركية» تدفع معظم الأسهم الخليجية للمكاسب
المقالة القادمةالصين تفرض غرامات كبرى على شركات «فضيحة الزيت»