حرمان أكثر من نصف الشعب اللبناني (55%) الذي يرزح تحت خط الفقر من الكهرباء، وتحويلها إلى “رفاه” في متناول الأثرياء (5%) فقط، معادلة يجري التأكيد عليها يومياً. ففي ظل انعدام القدرة عن تحقيق أي إصلاح في قطاع الكهرباء على مستوى الانتاج أو التوزيع، واستمرار العجز الهائل بقيمة تفوق 2.5 مليار دولار سنوياً، فان التغذية ستتناقص يوماً بعد آخر. فيما البديل “الموقت” المتمثل بالمولدات الخاصة “رح يطفي بس تطفي الكهرباء”، يقول رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة. “حيث إن فرق سعر الدولار يجعل من كل ساعة دوران إضافية خسارة لا قدرة لنا على تحملها”. أمّا الاسعار فمن المتوقع ان تشهد قفزات كبيرة مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً، واضطرار أصحاب المولدات الخاصة إلى شراء كل قطع الغيار بالدولار على سعر صرف السوق.
تشغيل مولد بقوة 500 kVA (kilo-volt-ampere) يكفي قرية أو حياً كبيراً أصبح مع انهيار سعر الصرف مكلفاً جداً، حتى ولو أن المازوت ما زال مدعوماً. فتغطية ساعات انقطاع “كهرباء الدولة” بشكل كامل لمدة 12 ساعة يومياً، مثلما هو حاصل اليوم، تتطلب 400 ساعة دوران. وهو ما يحتم تغيير الزيت والفلاتر مرتين في الشهر. إذ إن الزيت والفلتر يغيران بعد كل 180 إلى 200 ساعة دوران، بتكلفة تبلغ 4 ملايين ليرة للغيار الواحد، أي 8 ملايين ليرة شهرياً. فيما سعر فلتر الهواء الذي يجب تغييره كل شهرين يبلغ 100 دولار أو 900 الف ليرة، ومثله فلتر الماء بكلفة 250 الف ليرة. ومن بعدها تأتي صيانة لوحات الفواصل “الديجونترات” وتغيير مئات الوصلات على الشبكة، حيث ان سعر كل وصلة من الالمنيوم تبلغ 5 دولارات أو 45 الف ليرة. وبحسب أحد أصحاب المولدات فان “خرط” المولد أي إصلاحه يكلف نحو 20 الف دولار، أو ما يعادل 180 مليون ليرة. أما الكارثة الأكبر فهي الاضطرار إلى تغيير المولد بشكل كامل.
هذه المعطيات بالارقام تجعل أصحاب المولدات عاجزين عن التعويض في حال تراجع ساعات التغذية من كهرباء لبنان. وبحسب سعادة فان “الاتجاه اليوم ليس لزيادة الاسعار، حيث إن زيادتها لا تحل المشكلة. يقول سعادة. “وليس بمقدورنا استبدالها او شراء قطع الغيار بالدولار وإصلاح الاعطال التي ستنجم عن تشغيلها ساعات طويلة.
من بعد إفلاس مؤسسة كهرباء لبنان هناك اتجاه جدي بحسب سعادة “إلى إفلاس قطاع المولدات الخاصة الذي يعيل نحو 25 ألف عائلة”. وبغض النظر عن ان هذا القطاع نشأ وتطور على حساب “الشرعية الكهربائية”، فان الدولة هي الجهة الوحيدة التي تتحمل المسؤولية. فلم يكن هذا القطاع ليولد ويستمر، لو كان هناك كهرباء سليمة على غرار أكثر دول العالم تخلفاً. والأكيد أن هذا القطاع لم يكن ليشكل تهديداً على أبسط حقوق المواطنين، لو ان الوعود باصلاح الكهرباء وتأمينها 24/24 نفذت منذ سنوات. لكن يبقى هذا القطاع هو الضريبة المباشرة للفساد والسرقة والسمسرات في قطاع حيوي تعتبر إدارته بشكل سليم من البديهيات.