لن تكون «جائحة» الطاقة الشمسية التي تضرب لبنان هذه الأيام نظيفة بنسبة 100%. لهذا المورد من الطاقة المتجدّدة جهة مظلمة لا بدّ أن تطّلع عليها الدولة (أي دولة) وجهات القرار فيها للتفكير بكيفية التصرّف في القادم من الأيام، خاصة عندما يحين وقت استبدال مكوّنات نظام توليد الطاقة. ولمعالجة هذه النقطة يمكن تقسيم البحث إلى جزءين، الجزء الأول عند إنتاج مكوّنات نظام توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية والجزء الثاني عند نهاية العمر الافتراضي لهذه المكوّنات.
عند الإنتاج
تبدأ المشكلات من لحظة الانطلاق بصناعة المكوّنات، التي تستهلك كميّة لا يُستهان بها من الطاقة وتستغلّ موارد الكوكب عند تعدين الكوارتز اللازم لاستخلاص السيليكون، يلي ذلك عمليات تسخين عل درجات حرارة عالية باستخدام الفحم أو الغاز.
كما أنّ تنقية هذه المواد للحصول على منتج نهائي على درجة عالية من الفعالية يستلزم استعمال مواد كيميائية سامة، هذا في ما خصّ الألواح. أمّا البطاريات القائمة على الأسيد، فهي تستهلك أيضاً عند صناعتها معدناً شديد السمّية على البيئة المحيطة وهو الرصاص، المكوّن الأساسي لقلب هذه البطاريات. وقد أطلقت طفرة التحوّل نحو الطاقة الشمسية اليوم ما يقارب 2.4 مليون طن من الرصاص نحو الأرض ما دفع الصين إلى إقفال عدد كبير من مصانع البطاريات بسبب تسرّب الرصاص.
ولا يختلف الأمر مع بطاريات الليثيوم، التي توحي بالبراءة والتقدّم تحت وطأة الدعاية الغربية الكبيرة لها، في حين تؤدي تكلفة إنتاج كل واط ساعة إلى إنتاج 110 غرامات من غاز ثاني أوكسيد الكربون المتهم الأول بالاحتباس الحراري وزيادة حرارة الكوكب، بالتالي فإنتاج بطارية بقدرة 8.5 كليوواط ساعة يؤدي إلى إطلاق 935 كيلوغراماً من ثاني أوكسيد الكربون. بالإضافة إلى ما سبق لا ننسى التكلفة الأخلاقية لإنتاج الليثيوم المتركّز اليوم بنسبة 60% في المثلث البوليفي، التشيلي والأرجنتيني ما دفع الولايات المتحدة الأميركية لهزّ استقرار هذه الدول وضمان السيطرة على المعدن النفيس نسبة إلى حاجتنا المتنامية له.
بعد انتهاء الصلاحية
الألواح بشكل عام مكوّنة من مواد قابلة لإعادة التدوير بنسبة عالية مثل الألمنيوم الموجود في الإطارات والزجاج والبلاستيك، إلا أنّ المشكلة تقع في عدم وجود هكذا منشآت تعمل بشكل مناسب في معظم الدول التي تستعمل التكنولوجيا، وهذا ما نلاحظه اليوم في لبنان حيث يصل إلى السّوق شحنات من الألواح الأوروبية المستعملة وهذا يعني بالإضافة إلى ما سبق أنّ تكلفة إعادة التصنيع هي أكبر من البيع لاستعمال ثانٍ، كما أنّ التوجه العام اليوم هو لطمر الألواح المنتهية الصلاحية لاحتوائها على معادن ثقيلة مثل الكادميوم Cadmium والغاليوم Galium والسيلينيوم Selenium التي تصعب إعادة استخراجها. في لبنان حتى الآن لم نصل إلى مرحلة إعادة استعمال الألواح أو التخلص منها، لأن استعمالها بشكل عام لم يتخطَّ بعدُ السنوات العشر، بينما مدى الخدمة الفعلية تقارب الخمس والعشرين سنة.
الأمر مختلف بالنسبة إلى البطاريات، لأنها أقدم بكثير من الألواح الشمسية، ومشاغل إعادة تدويرها موجودة بشكل عام في معظم البلدان ومنها لبنان، حيث تقوم الورش باستعادة المعادن الموجودة داخلها ولا سيّما الرصاص لإعادة بيعه على شكل خردة معدن. رغم ذلك، تبقى مشكلة السوائل (الأسيد) الموجودة داخلها والتي يجري التخلص منها بشكل عام في المجاري العادية، لأن إعادة تركيز الأسيد واستعماله بحاجة إلى عملية كيميائية صعبة غير متاحة في هذه الورش، ما يضاعف المشكلات البيئية المتأتّية عنه بسبب احتوائه على مركبات الرصاص المُذابة.
أما إعادة تدوير بطاريات الليثيوم فلا تزال عملية صعبة وهناك دراسات حول العالم لتسهيلها، لأن التعامل مع هذا المعدن لا يشبه غيره أبداً بسبب تفاعله العالي وإمكانية اشتعاله بسهولة في حال وصول الرطوبة الموجودة في الهواء إليه ما يضاعف المخاطر. عملية التفكيك الأولية بحاجة إلى يد عاملة ماهرة تعرف كيفية التعامل مع الفولطية العالية وفصل المكوّنات من دون وقوع حمل كهربائي، كما أنّ السوائل الموجودة داخلها مصنّفة على أنّها مسرطنة وملوّثة للبيئة.
دور وزارة البيئة
نحن مقبلون إذاً على كارثة بيئية في حال لم تتم الإجابة عن مصير مكوّنات أنظمة توليد الطاقة، وعن دور وزارة البيئة في تنظيم قطاع إعادة تصنيع هذه المكوّنات أو تحويلها.
يؤكد الوزير نصار ياسين أنّ «النفايات الإلكترونية ومنها تلك المخصّصة لأنظمة الطاقة الشمسية بحاجة إلى إدارة وقرارات تنظيمية ملزمة حول طريقة التخلص منها، كونها تحتوي على مواد تشكل خطراً على البيئة والوزير يعمل الآن على إصدارها بالإضافة إلى تعاون مع منظمات دولية مثل الـ UNDP». ويضيف ياسين بأنّ ما سبق «يحتاج إلى تعاون أكبر مع القطاع الخاص والبلديات، والوزارة تعي تماماً ما نحن مقبلون عليه في السّنوات الآتية (كون استعمال الطاقة الشمسية حديث العهد في لبنان) وهي تقوم الآن بتحضير مرسوم لوضع جزء من المسؤولية على المستورد للمساهمة في التخلّص منها لاحقاً ولا سيّما أن لدينا الكثير من الملاحظات على نوعية المواد المستورَدة اليوم إلى لبنان».