ارتسمت معالم القلق على أسواق الحبوب العالمية مع تسجيل ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأرز في آسيا هو الأعلى في أكثر من عامين، مع تعزيز المستوردين لمخزوناتهم خوفاً من أن تدمر ظاهرة النينيو المساحات المزروعة والمحاصيل.
ويعتمد حوالي 3.5 مليار شخص على الأرز كمكون أساسي في غذائهم وخاصة في دول منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهادئ ومعظم دول الشرق الأوسط ودول كثيرة في أفريقيا.
وصعد سعر الأرز التايلاندي ذي نسبة السكر البالغة 5 في المئة، وهو معيار أساسي لأسواق المنطقة، بنسبة 15 في المئة خلال الأشهر الأربعة الماضية إلى نحو 535 دولاراً للطن.
ووفق بيانات صادرة عن جمعية مصدري الأرز التايلانديين فإن هذا السعر هو الأعلى مستوى منذ أوائل مارس 2021.
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن بوادر النينيو بدأت تظهر في المناطق الاستوائية المطلة على المحيط الهادئ لأول مرة منذ سبع سنوات، مهددة بحدوث جفاف في جنوب شرق آسيا.
ويتزامن ذلك مع تسجيل درجات الحرارة العالمية مستوى قياسياً على مدار ثلاثة أيام خلال الأسبوع الماضي، مما فاقم مخاوف تغير المناخ.
وأنقذت الأمطار الموسمية حقول الأرز في أجزاء من الهند، أكبر دولة مصدرة للأرز، لكن الطقس الجاف يهدد المحاصيل في تايلاند، ثانية كبرى الدول المصدرة لهذه المادة، مع توقعات بمواجهة البلاد طقسا جافا على نطاق واسع بداية من مطلع 2024.
وتؤكد التقارير الدولية الصادرة عن العديد من المؤسسات والمنظمات المعنية بالغذاء أن الهند تسهم وحدها بنحو 40 في المئة من التجارة العالمية للأرز.
وطلبت الحكومة التايلاندية بالفعل من المزارعين الحد من إنتاجهم، وزراعة محصول واحد فقط خلال العام الجاري.
وقال تشوكيات أوفاسونغسي، الرئيس الفخري لجمعية مصدري الأرز التايلاندي في مقابلة مع وكالة بلومبرغ “ما نشعر أنه سيحدث هذا العام هو أن السوق ستصبح سوقاً للبائعين”. وأضاف “ليس إلى الحد الذي سنشهد فيه نقصاً في الإمدادات، لكنها ستنخفض بالتأكيد”.
وأوضح أوفاسونغسي أنه “في ظل النينيو سنشرع في رؤية تأثير الطقس الجاف بوضوح في وقت لاحق من العام الجاري، ربما بحلول سبتمبر وأكتوبر. وفي غضون ذلك من المتوقع استمرار تكديس المخزونات إذ يبدو أن تأثيرات هذه الظاهرة ستمتد حتى العام المقبل”.
وغالباً ما يجلب نمط الطقس هذا ظروفاً أكثر سخونةً وجفافاً إلى آسيا، التي تنتج وتستهلك 90 في المئة من إمدادات الأرز العالمية.
وتاريخيا كانت معدلات الأرز أقل خلال سنوات ظاهرة النينيو، وفي بعض الحالات أقل بكثير.
وأعلنت الولايات المتحدة الشهر الماضي رسمياً عن وصول هذه الظاهرة الجوية، مع وجود فرصة كبيرة لتجاوزها القوة المعتدلة. وكلما كانت الدورة الحالية أقوى، زاد احتمال تأثر إمدادات الأرز.
ويشهد العالم إمدادات هائلة من الأرز، وسط اقتراب المخزونات العالمية من مستويات قياسية، لكن عودة ظاهرة النينيو هذه تهدد الاحتياطيات وتضعها على المحك.
ويُتوقع تراجع مخزونات العالم من الأرز بنسبة خمسة في المئة لتصل إلى نحو 173.5 مليون طن هذا الموسم، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.
وبدأ القلق يُراود المستوردين حيث كثفوا مشترياتهم من الأرز خلال الأشهر الأخيرة. فقد شحنت فيتنام، ثالث أكبر مُصدر في العالم، كميات من الأرز تفوق 40 في المئة إلى الفلبين خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023 مقارنةً بالعام الماضي.
وبحسب إدارة الجمارك الفيتنامية ارتفعت صادرات البلاد إلى الصين بأكثر من 70 في المئة، وإلى إندونيسيا بنحو 2.5 في المئة خلال الفترة الفاصلة بين يناير وأبريل الماضيين.
وترسم الأرقام الصادرة عن تايلاند صورة مماثلة مع زيادة صادرات الأرز بأكثر من 18 في المئة، وفقاً لوزارة التجارة التايلاندية.
وتعتمد التوقعات بالنسبة إلى محصول الأرز في الهند، أكبر دولة مصدرة في العالم، اعتماداً كبيراً على الرياح الموسمية الجنوبية الغربية.
ويُتوقع أن يكون هطول الأمطار طبيعياً هذا العام، ما سيدعم الإنتاج على الأرجح. ومع ذلك أدت ظاهرة النينيو تاريخياً إلى تراجع هطول الأمطار في الهند، ما أثر سلباً على الإنتاج الزراعي وأدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وحتى مع بداية هذه الظاهرة المناخية، يُتوقع أن يبقى إجمالي محاصيل الأرز هذا العام ثابتاً، عند نحو 512.5 مليون طن، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، حيث يُعتبر ارتفاع الطلب المسؤول عن التراجع المتوقع في المخزونات.
وقال جيريمي زوينغر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الأبحاث الزراعية ذا رايس تريدر “لا نشهد اليوم نقصاً في إمدادات الأرز”، مُضيفاً “هناك خطر أن يؤثر الطقس على جودة محاصيل الأرز”.
وشدد على ضرورة أن تحافظ البلدان على مخزونات إستراتيجية جيدة وأن على فيتنام توخي الحذر لأنها تصدر كميات كبيرة والمخزونات محدودة تقريبا.
وأكد زوينغر أن معروض الأرز العالمي لا يزال كبيراً بشكل استثنائي، ورغم انخفاض المخزونات خلال العامين الماضيين إلا أنها تتراجع أساساً من مستوى قياسي.
وأرجع ارتفاع أسعار الأرز إلى عمليات الشراء الضخمة من إندونيسيا والفلبين، و”مع ذلك سيعود ضعف الطلب خلال العام المقبل، أو حتى في الربع الرابع من هذا العام، ما لم يتغير اتجاه السوق بسبب السياسة أو الطقس”.