تبنت وكالة الأبحاث الأميركية العسكرية اتجاها جديدا من شأنه تغيير البعض من قواعد وأسس عمليات تسليح الجيش الأميركي، وذلك من خلال منح الثقة بشكل أكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية في المستقبل القريب.
بدلا من الاعتماد على شركات تصنيع التكنولوجيا العسكرية منحت وكالة الأبحاث الأميركية العسكرية ثقتها لمجموعة من مطوري ألعاب الفيديو المحترفين، لمساعدتها في إنتاج أسراب من الطائرات المقاتلة الداعمة لتقنية الذكاء الاصطناعي.
الوكالة الأميركية أوضحت على لسان الكولونيل دان جافورسيك، مدير وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة، أن الرغبة في استدعاء مطوري ألعاب الفيديو لإنتاج الطائرات المقاتلة الداعمة لتقنية الذكاء الاصطناعي جاءت ضمن خطة مدروسة موضوعة لوكالة الأبحاث الأميركية.
وتهدف الخطة إلى تطوير وترقية برنامج تطور القتال (ACE)، بالإضافة إلى زيادة درجات الاعتماد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي العسكرية وما تعكسه من فوائد كبيرة في ساحات المعارك كتقليل نسبة الخسائر البشرية وزيادة فاعلية وتأثير الضربات والعمليات العسكرية.
الحرب لعبة
وشدد الكولونيل جافورسيك على دور مطوري ألعاب الفيديو في الإشراف على صناعة الطائرات الحربية المقاتلة الداعمة لتقنية الذكاء الاصطناعي، قائلا “لن يتوقف فقط على الجانب التقني، بل أيضا الوصول إلى درجة من الكفاءة التي يشعر من خلالها الطيار البشري بالراحة والثقة أثناء المهام القتالية والتعامل مع طائرة حربية دون طيار تتحكم بها تقنية الذكاء الاصطناعي فقط”.
ويستعد أفراد من سلاح الجو الأميركي لخوض تحد شرس أمام 8 فرق مكونة من متخصصين في خوارزميات الذكاء الاصطناعي حيث ستتم محاكاة مناورات قتالية جوية.
عملية المحاكاة بين طياري سلاح الجو الأميركي والذكاء الاصطناعي ستتم من خلال مقاتلين متمرسين على مقاتلات F – 16 الأميركية.
وقال الكولونيل جافورسيك “الجميع يترقب مشاهدة المواجهة بين البشر والذكاء الاصطناعي، ففي حين تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي التفوق على البشر في ألعاب مثل الشطرنج إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للحروب”. وأضاف “الهدف من إقامة تلك المسابقات في الأساس ليس معرفة الطرف الفائز بل زيادة التعاون والثقة بين الإنسان والآلة، فدمج تلك الثقة والتعاون بين الجنود المتمرسين وخوارزميات الذكاء الاصطناعي سينعكس بشكل مؤثر على قوة الجيش الأميركي”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها الجيش الأميركي الذكاء الاصطناعي لأداء مهام عسكرية، حيث سبق للذكاء الاصطناعي أن صلّح أخطاء الجيش في حرب فيتنام.
لدى انخراطه في الحرب ضد فيتنام، قصف الجيش الأميركي العديد من المناطق بالقنابل، ومن بينها قنابل سقطت في دول مجاورة ولم تتفجر، ما يجعل منها خطرا محدقا حتى الآن. بيد أن الذكاء الاصطناعي لديه حل.
ويستخدم فريق من الباحثين في الولايات المتحدة تقنيات الذكاء الاصطناعي في محاولة لتحديد مواقع القنابل التي لم تنفجر في حرب فيتنام.
وتعتمد التقنية على اكتشاف أماكن الحفر التي نجمت عن سقوط هذه القنابل، اعتمادا على صورة الأقمار الاصطناعية.
ويؤكد الباحثون أن هذه الطريقة حققت نجاحا بنسبة تزيد على 160 في المئة بالمقارنة مع وسائل البحث المعمول بها حاليا.
وأفاد الموقع الإلكتروني “فيز دوت أورج”، المتخصص في التكنولوجيا، بأن هذه التقنية، بالاشتراك مع بيانات السجلات العسكرية الأميركية، تشير إلى أن نسبة قد تصل إلى 50 في المئة من القنابل التي سقطت على كمبوديا خلال حرب فيتنام لم تنفجر حتى الآن.
ويقول الباحث إيرين لين، المتخصص في مجال الهندسة البيئية بجامعة ولاية أوهايو الأميركية، إن “هناك انفصالا بين الخدمات التي نحتاجها بصورة ماسة، وبين المواقع التي يتم فيها تفعيل هذه الخدمات”.
وتابع “يرجع السبب في ذلك جزئيا إلى أننا لا نستطيع أن نحدد بدقة الأماكن التي تحتاج إلى جهود تطهير الألغام، وهنا يأتي دور التقنية التي توصلنا إليها”.
وقام الباحثون بتغذية منظومة الذكاء الاصطناعي بصور أقمار صناعية تغطي مساحة 100 كيلومتر بالقرب من بلدة كامبوج تراباك في كمبوديا، وقد تعرضت هذه المنطقة لقصف مكثف من جانب القوات الجوية الأميركية خلال فترة حرب فيتنام في الفترة بين مايو 1970 وأغسطس 1973.
واستخدم الباحثون منظومة الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الاصطناعية للتعرف على الحفر الناجمة عن سقوط القنابل. ويقول الباحثون إن المنظومة الجديدة يمكنها أن تحدد من شكل الحفر ما إذا كانت القنابل التي سقطت قد انفجرت بالفعل، أم أنها ما زالت موجودة، وبالتالي هناك ضرورة ملحة لإزالتها بواسطة خبراء المفرقعات.
وكان عملاق البحث غوغل قد أثار منذ عامين احتجاجات عندما سمح لوزارة الدفاع الأميركية “بنتاغون” باستخدام تكنولوجيا التعرف على الصور الخاصة به في إطار مشروع عسكري.
وجاء الإقرار بعد أن أفاد تقرير لموقع “غيزمودو” الإخباري بأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تلك تستخدم لتحليل صور التقطتها طائرات موجهة.
وقالت متحدثة باسم غوغل حينها إن التعاون تضمن تقديم أدوات برمجية تسمح لوزارة الدفاع الأميركية باستخدام شفرة تعلم “تنسور فلو”، وهي مجموعة من الهيكليات مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي.
وأقرت غوغل بأن “الاستخدام العسكري لتعلم الآلات يثير المخاوف بطبيعة الحال”، وأن المسؤولين في الشركة يناقشون هذا الموضوع على نحو جدي داخليا ومع الآخرين، في الوقت الذي تواصل فيه الشركة تطوير سياسات وأساليب حماية بشأن التطوير واستخدام تكنولوجيا تعلم الآلات.
صندوق أسود
وعلى الرغم من تولي الرئيس السابق لغوغل إريك شميدت منصب مستشار في البنتاغون عام 2016، فإن الشركة تؤكد أنها تتوخى الحذر بشأن أي ارتباط لها بالجيش الأميركي.
وكانت الشركة قد سحبت في السابق واحدا من أجهزة الروبوت لديها من مسابقة نظمتها البنتاغون، على الرغم من ترجيحات الفوز. لكن القرار جاء من منطلق هذه المخاوف.
وأشار موقع “غيزمودو” تحديدا إلى مبادرة معنية بالطائرات الموجهة في مشروع “بروجيكت مافين”، الذي يستخدم الخوارزميات لتحديد موضوعات الصور المثيرة للمخاوف من بين “كميات هائلة من الصور المتحركة والثابتة“.
وقال الكولونيل دريو كوكور آنذاك “لا يوجد صندوق أسود يوفر للحكومة ما تحتاجه من نظام الذكاء الاصطناعي، على الأقل في الوقت الراهن”.
وأضاف “السبيل الوحيد لإنجاز ذلك هو التعاون مع شركاء تجاريين”.
وأفاد تقرير نشرته بي.بي.سي بأن الخوارزميات التي استخدمها البنتاغون ليست مصممة لاكتشاف الوجوه، بل مصممة لتحديد موضوعات عامة للصور من بينها السيارات والطيور والأشجار. وثمة اعتقاد بأنها لا تستخدم لإطلاق أو التحكم في الطائرات الموجهة في حد ذاتها. وغوغل ليست الشركة الأميركية الوحيدة المشاركة في المشروع.
وكانت شركة “نفيديا” لصناعة الشرائح الإلكترونية قد نشرت مدونة في وقت سابق بشأن مشروع “بروجيكت مافين”، وفُهم أيضا أنها تتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية في هذا الشأن.
تقليل الخسائر البشرية
وقال جوستين برونك، الباحث في مركز أبحاث معهد الخدمات المتحدة الملكية، إن التكلفة الزهيدة نسبيا لتشغيل الطائرات الموجهة أدت إلى وفرة المواد المصورة. وإن “الكميات الهائلة من البيانات من جانب القوات الجوية الأميركية والاستخبارات المركزية، فضلا عن الحلفاء مثل بريطانيا التي تستخدم هذه الطائرات الموجهة في مناطق الصراع مثل العراق وأفغانستان، تفوقت على قدرات تشغيل واستغلال منظمات العمل الاستخباراتية التي تركز على البشر داخل هذه الدول”.
وأضاف “تعتبر غوغل، بوصفها المطور الرئيسي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الخيار الواضح للشراكة أمام وزارة الدفاع الأميركية، وإن كانت أقل المؤسسات تحمسا من جانب الموظفين وأصحاب الأسهم للعمل مع الجيش”.
على الرغم من استبعاد فكرة استخدام الروبوتات لمهام حربية قتالية حاليا فإن الجيش الأميركي يعمل على إقحام الذكاء الاصطناعي لحماية الجنود.
وأعلن الكولونيل كريس لورانس، قائد أنظمة التحكم الذاتي، أن وحدة الذكاء الاصطناعي التي تعد أحدث الوحدات داخل الجيش الأميركي، ابتكرت طريقة فريدة من نوعها لتقليل الخسائر البشرية في المعارك.
وأكد لورانس أن هذه الطريقة سوف تبرز الدور الذي ستلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب في ما يخص تقليل الخسائر البشرية ورفع تأثير وجودة أداء الجنود في ساحات المعارك. وأوضح الكولونيل لورانس أن وحدته ابتكرت نظاما يدعى ATR-MCAS من تقنيات الذكاء الاصطناعي يتم تطويره حاليا بإشراف من الجيش الأميركي ويهدف إلى تقليل الخسائر البشرية.
وتابع “وذلك عبر كشف الكمائن والهجمات المتوقعة برا وبحرا وجوا قبل وقوعها، إلى جانب كشف قوات العدو وأعدادها بدقة وسرعة كبيرتين”.
ويبدأ النظام فور عملية الإبلاغ عن وجود تهديد محتمل وبواسطة الخوارزميات المتطورة التي يتضمنها بتحليل المعلومات وجمعها واقتراح الردود وأساليب الدفاع المناسبة وفق أولويات وظروف قوات الجيش الأميركي الموجودة في ساحة المعركة.