الحدّ الأدنى للأجور: نهب 50% من رواتب محدودي الدخل

أقرت الحكومة مؤخراً رفع الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة (314 دولاراً أميركياً) في القطاعات الخاضعة لقانون العمل، أما نقاش سلسلة الرتب والرواتب فلم يُفتح بعد. نعلم أن هناك رابطاً بين الحد الأدنى للأجور والسلسلة يحدد على أساسه قيمة الرواتب في القطاع العام والمعلمين في الرسمي والخاص. 314 دولاراً تمثل نحو 70% من الحد الأدنى (450 دولاراً) المقر عام 2017. ومن المتوقع أن تقارب الحكومة السلسلة بنسب مشابهة بحيث يستعيد الموظف والمعلم نسبة 70% من قيمة أساس راتبه أو الأصح يخسر قانوناً 30% منه في هذه المرحلة.

ستقوم الحكومة بعمليات حسابية ورقية دون مراعاة تضخم كلفة المعيشة فترفع الرواتب لموظفيها ومعلميها لتستعيد صورياً نحو 70% من قيمتها قبل الأزمة، وتلغي كل ما يعرف بمضاعفة الراتب والمساعدة الاجتماعية والحوافز وما شابه كما سترفع بنسب مشابهة التقديمات العائلية والاجتماعية وبطبيعة الحال محسومات واشتراكات تعاونية الموظفين والضمان وصندوق تعويضات المعلمين في الخاص والضرائب.

فعليا تكون الفئات المنتجة في القطاعين الرسمي والخاص قد خسرت 30% من قيمة راتبها يضاف إليها الفروقات في التضخم الناتجة عن قوانين مختلفة مثل قانون الإيجارات الجديد، رفع الدعم عن المواد الأساسية من محروقات ودعم الدواء والسلة الغذائية، وإستعادة الأقساط المدرسية في الخاص نسبة 100% من قيمتها، كذلك الإستشفاء والتأمين الصحي الخاص كذلك، والبضائع المستوردة ورفع الضريبة على المحروقات والرسوم المضاعفة والخدمات وغيرها. في المحصلة تكون الفئات المحدودة الدخل راكمت خسارة في قيمة راتبها بعد تصحيح الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون، فخسرت نحو 50% من قيمة دخلها السابق حيث قطاعات عدة أساسية إستعادت 100% من قيمة أنشطتها بينما محدودي الدخل استعادوا فقط 70% ، ومرهقون بتضخم مستمر لأكلاف المعيشة، كما سترهقهم فروقات المساعدات الإجتماعية والمنح المدرسية التي تغطي قيمتها فقط 70% من قيمتها الفعلية وليقوم مجددًا بسداد 40-50% فروقات المنح المدرسية من تعاونية الموظفين. قبل الأزمة كانت المنح المدرسية تغطي نحو 70-80% من قسط مدرسة خاصة متوسطة (2000-2500 دولاراً) أما منح العام الحالي فتغطي 40-50% من قيمة القسط.

رواتب المعلمين

أما رواتب المعلمين فمن المتوقع أيضاً أن تحتسب على أساس 70% من أساس الراتب قبل 2019، والدرجات كذلك، أي أن معلم في الدرجة 21 سيصل راتبه إلى 875 دولاراً وقيمة الدرجة 30 دولاراً بينما كانت قبل الأزمة 1250 دولاراً للراتب و47 دولاراً للدرجة. قد يبدو تصحيح الأجور المفترض على أساس 70% من أساس راتب 2019 أفضل من الوضع الحالي حيث معدل دخل المعلم في الدرجة عينها يصل إلى 500-600 دولاراً بين مضاعفة الراتب 13 مرة والمساعدة الإجتماعية، لكن الأمور لم تنته هنا إذا ما احتسبنا الكلف الأخرى التي استعادت قيمتها السابقة بالدولار أو ازدادت بعد الأزمة، مثل الطوابع وإخراجات القيد والمعاملات الرسمية وفروقات أقساط المدارس الخاصة بين تعاونية الموظفين والقسط الفعلي وفاتورة الطبابة والإستشفاء والجمرك والرسوم المالية والبلدية والضرائب إضافة إلى ما سيرفع كلفة المعيشة العامة فقط بمجرد رفع الحد الأدنى للأجور.

حسب التقديرات الأولية فإن راتب المعلم أو الموظف سيخسر ما يتجاوز 10% من دخله السنوي لسداد فروقات قسط مدرسي، 10% أخرى إيجار منزل أو صيانة، 10% من دخله الشهري لكل زيارة طبيب، رسوم الميكانيك، فاتورة الكهرباء والمولد نحو 10%، ضرائب مالية، عدا عن تسديد 7% شهريا لتعاونية الموظفين أو الضمان.

وعلى موظفي القطاع الخاص ذوي الدخل المتدني والمستخدمين والأجراء ذوي المهارات المحدودة عليهم الاكتفاء بالحد الأدنى أي 314 دولاراً، أو أجر يومي نحو 10 دولار، تقتطع منها اشتراكات وضرائب ورسوم. لن يتنعم بحقه في الكهرباء، أو في التعليم الجيد وسيكتفي بالمدرسة الرسمية حيث من المتوقع رفع الإشتراك في صندوق الأهل إلى 60 دولاراً ليصل المبلغ إلى 120 أي 40% من راتبه الشهري عن ولدين عدا المصاريف الأخرى.

زيادات غير مجدية

نهج الحكومة الحالية لا يختلف عما قامت به الحكومات السابقة، هي أيضا تفتقر إلى رؤية اقتصادية اجتماعية شاملة وتسعى كسابقاتها، إلى قوننة نهب حقوق المواطنين وقيمة دخلهم وإفقارهم وتهميش قوى المجتمع المنتجة وتفريغ الإدارات العامة والمؤسسات التربوية الرسمية والخاصة بقرار موضعي لرفع الحد الأدنى للأجور دون دراسة تداعياته ووضع خطة شاملة تحمي حقوق المواطنين في حياة لائقة ومستدامة. أنهم يغدرون بالمواطنين بفرحة مزيفة باستعادة 70% من قيمة دخله السابق للأزمة أما الحقيقة فإنهم يقوننون تخفيض قيمة دخله 40-50% عما كان عليه قبل عام 2019 دون ذكر التضخم المستمر لأكلاف المعيشة.

تصحيح الحد الأدنى للأجور وإقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة غير مجدي في غياب رؤية اقتصادية اجتماعية عادلة وشاملة، وأي تصحيح للأجور أو سلسلة ستساهم في تأزيم الوضع المعيشي كما فعلت سلسلة الرتب عام 2017 بسبب غياب رؤية تمويلية لها واستبعاد مصادر التمويل من القطاع الخاص أو فرض الضرائب على أرباح الكيانات والمؤسسات الخاصة والمخالفة أو على المصارف والشركات المالية، واستعاضت عنها بزيادات ضريبية على الأفراد محدودي الدخل وزيادات على الرسوم والخدمات والضريبة على القيمة المضافة.

القيمة الصورية للحد الأدنى للأجور الجديد أو السلسلة المنشودة هي غطاء لنهب ما تبقى من قيمة دخل الصامدين من محدودي الدخل والمعلمين دون المساس بكبار المستثمرين، وأصحاب المصارف، وذوي الدخل المرتفع.

مصدرالمدن - نعمه نعمه
المادة السابقةالتعيينات الماليّة وإعادة هيكلة المصارف: تجاذبات وضربات استباقية
المقالة القادمةصَبُّ الأموال قبل الإسمنت: إعادة إعمار السلطة أو البيوت؟