الحرب الأوكرانية تهدّد الأمن الغذائي

تزداد المخاوف من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على الواقع اللبناني المأزوم أصلاً، لتشتعل تداعيات اقتصادية جديدة وخطيرة. منها: فقدان الأمن الغذائي الذي بدأ أساساً بالتراجع منذ مطلع الأزمة الإقتصادية وانهيار الدولار وتضخم الأسعار. فكيف ستكون تداعيات هذه الحرب على لبنان؟ وهل سيتمكن المعنيون من معالجة المشكلة؟

يشرح أحد المصادر المتابعة عن أسباب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في لبنان ويقول:

• «أولاً: إن السبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية هو ارتفاع سعر النفط والغاز نتيجة الحرب في أوكرانيا، كون وجودهما أساسي في عملية الإنتاج والتوزيع، وما زال لبنان يستورد جزءاً كبيراً من السلع الاستهلاكية في ظل انهيار قطاعاته الإنتاجية.

• ثانياً: تعتبر أوكرانيا أحد أكبر المصدّرين للقمح (خامس أكبر دولة)، وتشكّل مع روسيا نحو 25 بالمئة من مخزون القمح عالمياً.

• ثالثاً: كون لبنان لا يتمتع باقتصاد منتج على الرغم من القدرات الكبيرة المتوفرة فيه والحجم الصغير للبلد، وذلك بسبب السياسات المالية والاقتصادية المتّبعة خلال العقود الماضية، وتحديداً سياسات الدعم وتثبيت سعر الصرف وتشجيع الاستيراد بدلاً من الإنتاج، ما جعل لبنان عرضة لأي تغيّر في الأسعار العالمية.

واقع خطير ومزرٍ، بين انهيار العملة والتضخم وفقدان القدرة الشرائية وإفلاس الدولة وانعدام القدرة الإنتاجية، يعيش اللبنانيون خطراً حقيقياً لعجزهم عن توفير لقمة عيشهم، وبالتالي فقدان أمنهم الغذائي».

«في الوقت الذي يتحضّر فيه العالم كلّه لمواجهة النقص في المواد الغذائية المستوردة من أوكرانيا وروسيا، نرى المعنيين في لبنان ما زالوا يبحثون عن مصادر أخرى لمواجهة الأزمة»، يقول رئيس جمعية التجارة العادلة في لبنان سمير عبد الملك، «ولكن في نهاية المطاف ستتأمّن السلع وستكون أسعارها عالية جداً، وسيتحمّل الشعب اللبناني أعباء جديدة قد تهدّد أمنه الغذائي».

وتداول لبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر قيام أحد متاجر المواد الغذائية بإخفاء مادة الزيت النباتي، بغية احتكارها وبيعها في ما بعد بأسعار مرتفعة. ويشرح رئيس جمعية المستهلك-لبنان زهير برو عن المنطق العام الذي تسير عليه السوق اللبنانية، «فهي لا تعتمد على العرض والطلب، بل على احتكار وطمع وجشع التجار الذين يستفيدون من غياب الدولة والرقابة لرفع أسعارهم وإخفاء المواد، ما يولد خوفاً عند الشعب اللبناني خاصة لأن الأسعار لا تعاود انخفاضها في ما بعد، وبالتالي سنشهد تراجعاً ملحوظاً في استهلاك هذه السلع، كون أكثر من نصف الشعب اللبناني يرزح تحت خط الفقر».

«على المدى القريب يمكن أن يتجه لبنان نحو دول أخرى مصدّرة مثل رومانيا وفرنسا وكزاخستان، ولكن ستكون الأسعار عالية جداً، ما يمنع قسماً كبيراً من الشعب اللبناني من الوصول إليها، إضافة إلى عدم قدرة مصرف لبنان على دعمها»، يقول المصدر المتابع، «أما على المدى المتوسط والبعيد، فيجب تفعيل دور الإنتاج المحلي في لبنان مع تشجيع الزراعة المحلية ضمن خطة أمن غذائي متكاملة».

من جهته يرى عبد الملك أن «اليوم هو الوقت المناسب لإعادة النظر في الإنتاج المحلي، وإعادة تفعيل القطاعين الزراعي والصناعي، خاصة بعدما أدرك معظم الشعب اللبناني أهمية البقاء والاستثمار في الأراضي الزراعية، وليس فقط للمضاربات والبيع والشراء، إنما للمشاركة في عملية الإنتاج وتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي».

وبحسب المصدر المتابع: «حتى اليوم، ما زالت السلطة السياسية في لبنان عاجزة عن القيام بمشاريع إصلاحية، لأن كل ما تهتم به هو الفساد والمحاصصة والطائفية، بالرغم من وجود العديد من الدراسات والخطط والجهود التي طرحت قبل بداية الأزمة في 2019». بدوره يسلط عبد الملك الضوء على ضرورة تقديم المساعدات للاستثمار في القطاع الزراعي، وكذلك تحفيز المزارعين للبقاء في أراضيهم والمساهمة في تطوير الإنتاج المحلي».

لقد تخطى لبنان عتبة الخيار، وأصبح العمل بجدية أمراً ضرورياً. فاحتمال تطوير وتعزيز الإنتاج المحلي في لبنان موجود، تبقى فقط الإرادة والرغبة السياسية للعمل وفق مصالح الشعب، وبالتالي للحفاظ على أهم حق من حقوق الإنسان وهو الأمن الغذائي.

مصدرنداء الوطن - جويل الفغالي
المادة السابقةمالكو معامل تعبئة الغاز يلوّحون بالإضراب
المقالة القادمةبوشكيان: إجازة مسبقة قبل تصدير الغذاء ولا داعي للهلع