يحتدم النقاش حول الإقتراحات التي تقدم بها وزير المال علي حسن خليل بهدف خفض عجز الموازنة، بعدما ظهر أن جزءاً من مكونات الحكومة يريد لهذا الخفض أن يتم على حساب موظفي القطاع العام، من دون المس بأرباح المصارف. وفي انتظار الاتفاق على التفاصيل، يؤيد الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية إرجاء إشراك المصارف بكلفة التصحيح المالي، إلى ما بعد إقرار موازنة تقشفية!
يستمر اهتمام القوى السياسية والمواطنين والهيئات النقابية منصبّاً على النقاش بشأن خفض عجز الموازنة، بعدما ظهر أن جزءاً من مكونات الحكومة يريد لهذا الخفض أن يتم على حساب موظفي القطاع العام والانفاق الاستثماري والتشغيلي للدولة، مع عدم المس بأرباح المصارف وكبار المودعين المتأتية من خدمة الدين العام. وزير المال علي حسن خليل أعدّ مشروعاً يتضمّن تخفيضات يصفها الجميع بـ “الإجراءات الموجعة وغير الشعبية”. وفيما يجري تعتيم كبير حول هذه الإجراءات، لا سيما المتعلقة برواتب موظفي القطاع العام بدءاً من السقوف الوسطى وصولاً الى رواتب كبار الموظفين في الهيئات والمؤسسات ومصرف لبنان وغيرها، بات هناك إجماع بين كل المكوّنات السياسية على اتباع سياسة تقشفية، بانتظار الإتفاق على التفاصيل.
النقاش محتدم. وبحسب مصادر معنية به، “كل ما يُحكى لا يزال مجرّد أفكار، وما قاله وزير الخارجية جبران باسيل عن خفض الرواتب هو اقتراح لا يُلزم أحداً، ولا يعني أنه سيمُر”. وذكّرت المصادر بما جرى خلال النقاش في قانون الإنتخابات، يوم كانت لباسيل اقتراحات عديدة، لكنه عادَ وقبِل بالتسوية التي تمت بين جميع القوى السياسية”. وعلمت “الأخبار” أن الإجتماع الذي عُقد أول من أمس في وادي أبو جميل بين الرئيس سعد الحريري والوزراء باسيل وخليل وأكرم شهيب وريشارد قيومجيان، وانضم اليه معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، ستلحق به عدة إجتماعات لاستكمال البحث في الإقتراحات التي تقدم بها وزير المال. وبحسب المعلومات، استمر الإجتماع الى ما بعد منتصف الليل، وقد بدأه الحريري بالتحذير من أن “البلد خربان ورح يروح”، قبلَ أن يتحدث خليل عن أرقام الرواتب والتعويضات والهبات وحجم الإنفاق، عارضاً نحو 30 صفحة من الإقتراحات لها علاقة بالتقديمات الإجتماعية والجمعيات الخيرية وصناديق التعاضد والإعفاءات الجمركية. واقترح وزير المال تعديل القانون لإلغاء الإعفاءات الجمركية، حتى عن مؤسسات الطوائف. أما في ما يتعلق بالرواتب فقالت مصادر مطلعة إن “هناك صيغا متعددة بشأنها لكن لا دراسة مكتملة حتى الآن”. وبالنسبة للمصارف “أشار كل من الحريري ووزير المال الى أن القطاع المصرفي حاضر لأن يأخذ على عاتقه موضوع خفض الفائدة على سندات الخزينة ولكن بعد إقرار سلة متكاملة من الإصلاحات في الانفاق العام”.
في السياق، لا تزال القوى السياسية ترفض إطلاق أي موقف من هذه الإجراءات بانتظار عرضها بشكل رسمي. بالنسبة الى الحزب التقدمي الإشتراكي، كل ما يُحكى عن إجراءات لخفض العجز ليسَ سوى تسريبات، ولا شيء منها محسوماً. لكن مصادره تؤكّد بأن موقفه واضح بشأن الرواتب والأجور وهو “يرفض المس بها. هذه قاعدة عامة ننطلق منها للنقاش في أمور أخرى”. وتُشير المصادر الى أن “لا مانِع من إعادة النظر في الرواتب العالية شرط أن لا تكون انتقائية. بل يجب أن تطال كل مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة”. وفي ما يتعلق بالملحقات والتقديمات رأت المصادر أن “استهداف كل ما يُسمى بنفقات القطاع العام يخفي وراءة تهرّبا ضريبيا وعدم جباية”، مشيرة إلى أن “المصارف يجب أن تكون في صلب من يتحمل مسؤولية التصحيح، وسبق أن طرحنا بأن تقوم المصارف بتمويل ما أمكن من سندات الخزينة بفائدة صفر في المئة، من أجل إعطاء دفع للإقتصاد. فأرباحهم تزيد كل يوم مقابل ارتفاع دين الدولة”. واعتبرت المصادر أن “الأساس هو في إصلاح النظام الضريبي وهو الذي نص عليه البيان الوزاري، لكن السؤال هل يطبق من خلال دور الدولة في الرعاية الإجتماعية، أو على طريقة أصحاب الفكر الليبرالي المتوحش. لا بد من نظام ضريبي تصاعدي، فلا يجوز ان يدفع صاحب ثروة طائلة ضريبة كما يدفعها موظف في شركة”.
فيما التزم لبنان في مؤتمر “سيدر” خفض العجز بما يوازي 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات، أصبح الهدف اليوم الخفض بنسبة 3 أو 4 في المئة. هكذا بدأت مصادر التيار الوطني الحر حديثها عن “الإجراءات الموجعة التي صارت بحكم الأمر الواقع”. لكن “كل ما يُحكى حتى اليوم هو مجرّد اقتراحات”. حتى الكلام الذي قاله باسيل عن خفض رواتب الموظفين “سيكون، في حال الاتفاق عليه، مؤقتاً لمدة سنتين”. وقالت المصادر ان اتخاذ موقف من الأفكار التي يتم التداول بها سابق لأوانه “ونحن بانتظار اقتراحات وزير المالية”. هل سيؤيد التيار المس بالرواتب والأجور؟ بحسب المصادر العونية “يجب الإتفاق أولاً حول الهدف الذي يجب أن نصل اليه بما معناه نسبة العجز ومن ثم نتفق على الإقتراحات التي سنسير فيها من الحدّ الأدنى الى الحدّ الأقصى. وقد يطال الأمر الأجور وقد لا يطالها بحسب الحاجة”. ومن المؤكد أن “لا عودة عن زيادات السلسلة ولا الرواتب” بحسب المصادر العونية التي تضيف: “بالتأكيد، يجب على المصارف أن تتحمل جزءا من كلفة التصحيح، والإجراءات ستطالها”.
كباقي المكونات ترفض حركة أمل إطلاق موقف من الإجراءات التي يتم التداول فيها. باستثناء إعلان الرئيس نبيه بري بأنه ضد المس بأصل رواتب وأجور الموظفين، تقول مصادر الحركة أن “لا شيء رسمياً». لكن المؤكد أنه «سيصار الى تنفيذ سياسة تشحيل كبيرة في الإنفاق”، ولا بد من أن تكون “المصارف احدى الجهات الأساسية التي تطالها الإجراءات”. كذلك كان موقف حزب الله الذي أكد رفضه المس بالطبقات المحدودة الدخل سواء موظفي الدولة أو غيرهم. وتقول أوساطه إن “الحل يجب أن يكون متكاملاً، وأي بحث في إجراءات سواء كانت مؤلمة أو غير مؤلمة، لا تطبق من دون إشراك المصارف في خفض كلفة الدين العام”. واعتبرت أن “البحث في خفض الرواتب يجب ألا يشمل صغار الموظفين، بل أن يكون محصوراً ببعض الموظفين في المؤسسات الرسمية الذين تصل رواتب الواحد منهم إلى عشرات ملايين الليرات شهرياً، إضافة إلى الموظفين الذين لا يعملون، بصرف النظر عن كيفية توظيفهم. كذلك يجب وقف الإنفاق غير المجدي وتحويله الى انفاق استثماري”. مع ذلك تؤكد الأوساط أن “الحزب لم يعط رأيه النهائي إذ لم تُعرَض عليه أي سلة متكاملة”.
أما القوات اللبنانية التي قدّمت ورقة الى رئيس الحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان، فتتبنى وجهة نظر القطاع المصرفي لجهة تقديمه وعداً بالاشتراك في كلفة التصحيح، لكن بعد خفض الإنفاق العام. وقالت مصادرها إن “القوات تؤيد التقشف كمبدأ عام، لأن عدم اتباعه ستكون له عواقب كثيرة”.