«الحزام والطريق»… بين رؤيتي «فخ الديون» و«مشروع الازدهار»

برنامج مبادرة «الحزام والطريق» التجاري والاستراتيجي هو المشروع الأكثر طموحا لرئيس الحزب الشيوعي الصيني شى جينبينغ، حيث كان قد تم في بادئ الأمر الترويج لهذه المبادرة باعتبارها إحياء للطريق التجاري البري القديم «طريق الحرير» الذي كان يربط الصين بأوروبا، بيد أنها لا تزال تواجه انتقادات غير رسمية بأنها مجرد «فخ ديون» تنصبها بكين لشركائها وبين تفاؤل بأنها مشروع ازدهار اقتصادي للمساهمين فيه.

وطريق الحرير الجديد الذي كشف عنه النقاب في العام 2013، مثل الطريق القديم، سيعبر السهول الشاسعة لوسط آسيا، ويقال، وفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية، أن مبادرة الحزام والطريق العصرية تهدف أيضا لأن تكون ازدهارا اقتصاديا لكل الدول الممتدة على الطريق، حيث قامت بإبرام اتفاقيات قوامها 64 مليار دولار مع بعض الدول ويوضح الدكتور لورانس فرانكلين ضابط الاحتياط السابق، والذي عمل محللا سياسيا وعسكريا في وكالة المخابرات العسكرية الأميركية، في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي للأبحاث أن بينغ سارع بأن ألحق بمبادرة الحزام والطريق البرية، نسخة بحرية يفترض أن تربط الموانئ الصينية على بحر الصين الجنوبي بالموانئ في المحيط الهندي، مواصلا حتى دول الشرق الأوسط والوصول في النهاية إلى الموانئ الأوروبية.

وفي البداية، كانت هذه المقترحات تشمل فقط الدول الواقعة على طرق مبادرة الحزام والطريق، كما يشير فرانكلين، أما الآن فإن طرق الرئيس الصيني الضخمة عالمية في نطاقها، وتمتد حتى جيبوتي التي تعتبر ممرا بحريا استراتيجيا في أفريقيا، غرب شبه الجزيرة العربية تماما، أو الإكوادور، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات نفطية في أميركا الجنوبية.

ووفق تقرير الوكالة الألمانية، تظل المكاسب الاقتصادية بالنسبة لبعض هذه الاتفاقيات الثنائية بين الصين ودول «العالم الثالث» الفقيرة مثار شكوك، حيث إن عددا قليلا من هذه الاتفاقيات مخطط لإخضاع الدول الفقيرة بالفعل لتبعية اقتصادية دائمة للصين، مشيرا إلى أنه من الواضح أن هدف شبكات مبادرة الحزام والطريق هو تحقيق مكاسب للصين، سواء بتحفيز زيادة كبيرة للغاية في التجارة، أو من خلال الاستحواذ على أي أصول تختارها الصين عندما يتم العجز عن سداد الديون.

وسوف تستطيع الصين، بحسب التقرير، باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم، تنويع مصادر حصولها عليه نتيجة للعديد من اتفاقيات مبادرة الحزام والطريق الثنائية، في وقت من المرجح أيضا أن الصين تأمل في تحقيق مكاسب سياسية من خلال ترتيبات مبادرة الحزام والطريق حيث إن الدول المشاركة في مبادرة الصين، والتي بشكل عام تتمتع بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة وحلفائها، ربما تنأى بنفسها عن دعم مخاوف الأمن القومي لدى الغرب خوفا من فقدان الاستثمارات الصينية الكبيرة في اقتصاداتها.

ويضيف التقرير أن منتقدي برنامج المبادرة الصينية يوضح أن اتفاقيات القروض الصينية تفتقر إلى الشفافية وأن العقود تخدم المصالح الصينية أحيانا بطريقة تتسم بالابتزاز، وتتجاهل المخاوف المحلية، إذ على سبيل المثال، عندما عجزت سريلانكا عن الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالديون تخلت للصين عن ميناء «هامبانتوتا»، كما تقوم فنزويلا بتوريد النفط للصين بدلا من عملتها التي لا قيمة لها.

وزاد التقرير، يتهم المنتقدون الصين بتقديم مزايا في عقودها مع الدول ذات النظم التي تروق لها، حيث استثمرت الصين في زيمبابوي في أفريقيا، ولاوس في جنوب شرق آسيا، وفنزويلا في أميركا الجنوبية.

ويلفت التقرير إلى أن أحد العيوب بالنسبة للقروض الصينية الكبيرة التي تمول مشروعات بنية تحتية هو إرغام الدول المضيفة على الالتزام بما يصفه الرئيس الصيني بـ«السمات الصينية»، فعندما تبدأ بكين في تنفيذ مشروع بنية أساسية، تصل أعداد كبيرة من العمال الصينيين إلى الدولة المضيفة، ويقومون بإعداد منطقة خاصة لمعيشتهم، كما يغادرون البلاد بعد الانتهاء من المشروع، ولا يستعان سوى بعدد قليل من العمال المحليين.

وأفاد التقرير أنه من الواضح أن أهداف البرامج العالمية لمبادرة الحزام والطريق استراتيجية وسياسية بقدر ما هي اقتصادية، كما يبدو أن الهدف النهائي للبعد العالمي لمشروع مبادرة الحزام والطريق هو تغيير البعد السياسي، والاقتصادي، والعسكري للنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي.

أمام هذا، نفى كثير من المسؤولين الصينيين الاتهامات المتعلقة بما يوصف بأنه «فخ ديون» تنصبه الصين لشركائها في مبادرة الحزام والطريق، وأكدوا أن ما تقدمه الصين من قروض للدول يفيد الجانبين.

وهنا يقول بعض المحللين، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية، إن اتهام الصين باتباع «سلوك افتراسي» مبالغ فيه، حيث إن الصين تقوم في الغالب بإلغاء الديون على الدول الأكثر فقرا، كما أن غالبية الديون في معظم الدول الأفريقية هي لصالح مقرضين غير صينيين.

وتقول هوي لو كبيرة المحللين بمؤسسة راند الأميركية إن الدوافع الجيوسياسية وراء المبادرة الصينية محل نقاش كبير، كما أن المبادرة تعرضت لانتقادات شديدة بسبب الطريقة التي يتم التعامل بها بالنسبة لبعض مشروعاتها.
وأشارت لو إلى أن هذا التناول السلبي قد يصرف النظر عن المكاسب الاقتصادية المحتملة إذا ما تم تحسين البنية الأساسية على طول الحزام المقترح ونسقت الدول والمناطق المشاركة في المبادرة خططها التنموية لتحقيق التلاحم بين تنفيذ السياسات والبنية الأساسية، من الممكن أن تتحقق مزايا اقتصادية كبيرة للغاية.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةصناعة السفر تعاني رغم محاولات التعافي
المقالة القادمة«فيتش» تحذّر من الديون الكندية