الحكومة تتكاتف مع الحرب على موظفيها… ثلث الرواتب مشروطة

تتعامل الحكومة مع القضايا الحياتية والأزمات الإجتماعية وحتى مع الأزمة المالية كما لو أن البلد بوضعه الطبيعي، لا حرب، لا قصف، لا تهجير، لا شهداء، لا شيء من كل ما ذكر. تتعامل مع القطاع العام على أن العاملين فيه عاطلون عن العمل ويعتاشون على كاهل الدولة عنوة، متناسية أن عمل مؤسسات الدولة يُعد الرافد الأساسي للخزينة العامة.

تفرض الحكومة عدداً محدداً من أيام العمل على العاملين بالقطاع العام، تهددهم بنسف ثلث رواتبهم متجاهلة الضغوط والمخاطر التي يتعرض لها قسم كبير منهم. تحاسب الموظفين على أن الوضع طبيعي، تفرض حسومات مالية على رواتب المتغيّبين، دون زيادات مالية على رواتب الحاضرين إلى مقرات عملهم ومثابرتهم رغم الظروف.
وإذا كانت الحكومة حافظت على الرواتب الأساسية لموظفيها رغم الظروف إلا أنها ربطت “تعويضات المثابرة” بأيام الحضور، وهي العارفة بأوضاع البلد وحجم التهجير والنزوح القسري والدمار الذي لحق ببيوت موظفيها في المناطق المستهدفة.

تعويضات المثابرة “مشروطة”
حسمت الحكومة وبشكل غير مباشر ثلث رواتب موظفيها، بدلاً من سداد كامل مستحقاتهم بشكل استثنائي لتمكينهم من مواجهة تداعيات الحرب. ويرى موظفو القطاع العام بأن الحكومة بقرارها الأخير تخلّت عنهم في أحلك الظروف.
وبحسب قرار الحكومة فإن تعويض المثابرة يُحتسب للموظف أو المتعاقد أو الأجير “غير النازح” الذي يحضر إلى العمل على الأقل 12 يوماً حضور فعلي. أما الموظف والمتعاقد والأجير “النازح” من منزله بسبب الاعتداءات المتكرّرة على منطقة مكان سكنه، والذي يحضر إلى عمله على الأقل 8 أيام في الشهر حضور فعلي، فيستفيد من كامل قيمة تعويض المثابرة.

ووفقاً للقرار، يُلحق العاملون في مراكز العمل التي أقفلت قسراً بسبب الاعتداءات الحربية بمراكز عمل مؤقتة تحدّد من قبل الإدارة المختصة، وذلك لحين زوال الظروف وإعادة انتظام العمل في المؤسسات.

بهذه الشروط وبتحديد عدد أيام الحضور تكون الحكومة كمن يتجاهل الظروف الصعبة التي يواجهها الموظفون النازحون من جهة ويشجع الموظفين في المناطق الآمنة على التهرب من الدوامات الرسمية الكاملة من جهة أخرى.
وتبلغ قيمة تعويض المثابرة للعاملين في الإدارة العامة، والتي تهدّد الحكومة بحرمان الموظفين منها 15 مليون ليرة لموظفي الفئة الخامسة، 17 مليون ليرة لموظفي الفئة الرابعة، 19 مليون ليرة لموظفي الفئة الثالثة، 22 مليون ليرة لموظفي الفئة الثانية، 25 مليون ليرة لموظفي الفئة الأولى.

لا إضراب بوجه الناس

بالمقابل تفوقّت رابطة موظفي الادارة العامة على الحكومة بتحمّل المسؤولية والترفّع عن الماديات، إذ يقول رئيس الرابطة بالإنابة وليد جعجع “لا يمكننا مواجهة الحكومة بإضراب او التوقف عن العمل فالبلد يعاني حرباً ويشهد وقوع شهداء يومياً وجرحى، ولا يمكن تعليق العمل بإدارات الدولة، نحن نتحمل مسؤولية تسيير عمل الإدارة العامة في هذه الظروف”.

وإذا كانت الحكومة لا تتحمل مسؤولياتها، بحسب جعجع، لكن نحن لا يمكننا ترك الناس فنحن نتحسّس وضع المواطنين ولا يمكن إغلاق المؤسسات بوجهها لاسيما أن الاضراب سيعطل الاستيراد عبر المرفأ ويعطل المعاملات الطبية والمستشفيات الحكومية وغيرها من المؤسسات الحيوية وسيكون إضراباً على الناس أكثر منه على الحكومة”. وهل يمكن أن يعمل الموظف في المستشفى الحكومي 12 يوماً فقط وهو يستقبل يومياً الجرحى والمرضى، يسأل جعجع، وكيف يمكن ان تضغط الحكومة على الموظفين في هذه الظروف بدلاً من صرف بدلات المثابرة استثنائياً للجميع.

من هنا يستغرب جعجع في حديث إلى “المدن” تخلّي الحكومة عن موظفيها بقرارات غير مسؤولة، في ظرف إنساني كالذي يمر فيه البلد اليوم. ويقول “أنا كموظف مسؤول ملزم بالدوام 22 يوماً وليس 12 لاسيما إن كنت أقطن في منطقة آمنة وهذه واجباتي، بالمقابل هناك من يعجز عن الحضور حتى 8 ايام بالشهر وظروفه لا تسمح بالإنتقال، فكيف يمكن حرمان الموظفين من تعويض المثابرة؟ وكيف يمكن ان تقرر الحكومة هكذا قرار في هذه الظروف الاستثنائية؟”

تتصرف الحكومة كما لو أنها تجهل واقع الموظفين فمنهم من ينتقل من منطقة الى أخرى كي يلتحق بإدارة، ومنهم من يعجز عن سداد إيجار منزل في منطقة النزوح، ومنهم من تهدم منزله كلياً ويعتاش في إحدى المناطق الآمنة براتب لا يتعدى 300 دولار. وإذا كان متخذو القرار من رئيسة مجلس الخدمة المدنية إلى رئيس الحكومة والوزراء يقطنون بجانب مقرات عملهم، فذلك لا ينطبق على الموظفين خصوصاً منهم في مناطق الجنوب والبقاع، وحتى باقي المناطق.

وإذا كانت رابطة موظفي الإدارة العامة تخجل اليوم من الحديث بالماديات أمام مآسي الناس ووجعها، فإن الحكومة لم تخجل من اتخاذ قرار”دنيء”، تنكر له عدد من الوزراء الذين يتعاملون مع الوضع الطارئ كما لو أنهم خارج البلد أو يعيشون بـ”لا لا لاند” على حد تعبير أحد المعنيين بالقطاع العام الذي حاول التواصل مع وزراء بالحكومة وفوجئ بعدم علمهم بالقرار.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةفضيحة “فوري” إلى الواجهة: الخناق يضيق على سلامة
المقالة القادمةفيّاض: احتياطي النفط يكفي لأسبوعين