تقدّمت حكومة تصريف الأعمال بمشروع قانون إلى مجلس النواب، في 12 آب، يهدف إلى تخصيص بعض الإيرادات الضريبية لتمويل صندوق استرجاع الودائع المزمَع إنشاؤه. ووفقاً لمشروع القانون، يُطلب من الإدارة الضريبية المختصة التدقيق في تصاريح المكلفين الذين اقترضوا من المصارف وسدّدوا ديونهم بقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية لدَينهم، محقّقين بذلك أرباحاً من فروقات الصرف. وفي حال اكتشاف أي تعديلات ضرورية في التصريح أو فرض ضريبة إضافية، تصدِر التكاليف اللازمة وتُبلغ للمكلّف.
واستثنى المشروع من استدراك الضرائب القروض السكنية والاستهلاكية الفردية وقروض التجزئة الشخصية التي لم تتجاوز قيمتها عند منحها 100 ألف دولار، على أن تُخصَّص الإيرادات المحصلة من هذه الضرائب لتمويل صندوق استرجاع الودائع أو أي صندوق آخر مُخصَّص لهذا الغرض.
وأشارت الحكومة في مشروع قانونها إلى فئتَين من المقترضين الذين حقّقوا أرباحاً خلال الأزمة المالية، الأولى تشمل المقترضين الذين سدّدوا مستحقاتهم بقيمة أدنى بكثير من قيمتها الحقيقية عبر شراء ذمم دائنة من مودعين محجوزة ودائعهم، ما أدّى إلى تحقيق أرباح باهظة على حساب هؤلاء المودعين. أمّا الفئة الثانية فتتكوّن من المقترضين الذين سدّدوا قروضهم بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان (1507 ليرة للدولار)، على الرغم من تهاوي سعر الصرف إلى أكثر من 100 ألف ليرة للدولار الواحد، قبل أن يثبت نوعاً ما عند معدّل 89500. ورأت الحكومة أنّ هاتَين الفئتَين حقّقتا أرباحاً كبيرة على حساب المودعين ورؤوس أموال المصارف، ما أضرّ بمبدأَي العدالة والمساواة المصانَين دستورياً.
وأكدت الأسباب الموجبة للمشروع أنّ قانون ضريبة الدخل يُكرّس مبدأ عدم ترك أي دخل أو ربح غير خاضع إلى الضريبة إلّا إذا كان هناك استثناءً أو إعفاءً صريحاً. بالتالي، يهدف المشروع إلى تحصيل الضرائب المستحقة على هذه الأرباح.
وعلى الرغم من أنّ مبدأ شمول الموازنة يقضي بإيداع أي إيراد في موازنة الدولة من دون تخصيصه لإنفاق محدّد، فإنّ الأسباب الموجبة استثنت هذه الحالة عملاً بما يُسمى “الضرائب المخصّصة، معتبرةً أنّ تخصيص الضريبة ضروري لتسديد خسائر المودعين. لكنّ المشروع انتهى بتخصيص هذه الإيرادات لتمويل “صندوق استرجاع الودائع”، وهو صندوق غير موجود حالياً، ولم يُدرس اقتراح إنشائه بعد، ويُتوقّع ألّا يُبصر النور في ظلّ التوازنات السياسية في البلد.
مشروع غير مُلزِم وغير واضح
يحتوي المشروع على هفوات تشريعية وعدم وضوح، بدءاً من استخدام عبارة “يُطلب” من الإدارة الضريبية، ممّا يثير التساؤلات حول إلزامية هذا الطلب، إذ إنّ هذه العبارة تحمل في طيّاتها ومسارها التاريخي مع نظام الحصص الطائفي، مجالاً لكيدية ونكايات سياسية.
كما لم يُوضّح المشروع الربح الخاضع إلى الضريبة بشكل دقيق، ولم يُحدّد كيفية حساب سعر الصرف الفعلي الذي تم على أساسه سداد الديون، ممّا يترك الباب مشرّعاً أمام صدام بين مصرف لبنان ووزارة المال، وحتى ضغط جمعية المصارف عليهماً معاً.
وعلى الرغم من تأكيد المشروع على استحقاق الضريبة وتجنّب التهرّب الضريبي، فإنّه لم يفرض أي إجراءات عقابية ضدّ المتهرّبين ولم يحدّد مهلة لتقديم التصاريح، ممّا يترك مجالاً واسعاً أمام وساطات مصرفية وسياسية لتهريب بعض النافذين.
كما يبدو أنّ المشروع يسعى إلى تحويل المحاسبة من المسؤولين عن الأزمة المالية إلى المستفيدين منها، مع تمييز المصارف بشكل يظهرهم كضحايا، ممّا يزيد من الانتقادات حول غايات المشروع.
إنّ تخصيص الضريبة لصندوق غير موجود ولأهداف غير واضحة يثير القلق حول استخدام الإيرادات المحصلة، خصوصاً مع إمكانية توجيهها لتعويض المصارف المتضرّرة من عمليات سداد القروض. بذلك، يمكن القول إنّ مشروع القانون يعكس فوضى تشريعية وتوجّهاً غير عادل لتحميل المسؤولية للمستفيدين بدلاً من المتسبِّبين الحقيقيِّين في الأزمة المالية.