على أبواب انتهاء تفويض مجلس النواب الحكومة في حق التشريع في الحقل الجمركي الذي صدر في العام 2018 ضمن القانون رقم 93، والذي نصّ في المادة الأولى منه على «منح الحكومة لمدة خمس سنوات (نهاية العام الحالي) حق التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء»، تسعى حكومة تصريف الأعمال إلى تجديد هذا التفويض من خلال إقراره في مجلس الوزراء وإحالته الى مجلس النواب للموافقة عليه لاحقاً، وهذا ما حصل في جلسة مجلس الوزراء أمس حيث أقرّ مشروع القانون، مع الإشارة الى أن المادة الثانية منه نصت (في العام 2018) على أنه «في ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، للحكومة أن تمارس هذا الحقّ مباشرة أو تنيب المجلس الأعلى للجمارك أن يمارسه».
وتكمن أهمية هذا التفويض في أنه يمنحها (أي الحكومة) حق تعديل الدولار الجمركي بالتفاهم مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، لأن المادة 82 من الدستور تنصّ على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون» يصدر عن مجلس النواب. إلا أنه يمكن لمجلس النواب أن يفوّض الحكومة في صلاحية التشريع في الحقل الجمركي، انطلاقاً من القانون رقم /132/ تاريخ 26/10/1999. وانطلاقاً من هذا الواقع، يتبيّن أن التشريع في الحقل الجمركيّ أو في أي حقل ضريبي آخر هو من صلاحية مجلس النواب، إلا أنّ بإمكانه أن يفوّض هذه الصلاحية بموجب قانون إلى الحكومة مجتمعة.
وفي هذا الإطار يعتبر المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر لـ»نداء الوطن» أن هذا البند هو مطب لأنه من غير الواضح إذا كان موضوعه هو التباحث بالدولار الجمركي أم لا، والأكيد أن من يرخّص بالجباية والإنفاق هو مجلس النواب وليس الحكومة»، معتبراً أن «ما تطلبه الحكومة في ظل الوضع الذي تمرّ به الجمهورية اللبنانية هو خطير. فلغاية اليوم، الموازنات التي أقرّت لا تزال من دون قطع حساب منذ أكثر من عشر سنوات، وإذا طلبت الحكومة هذا الأمر على مجلس النواب الامتناع، لأن المحاذير التي دخلت بها هذه الحكومة والحكومات السابقة لغاية اليوم هي محاذير جوهرية ولا يمكن ائتمانها على التشريع».
يضيف: «هذا مشروع قانون يعني أن الحكومة اللبنانية تطلب الترخيص لها بإصدار مراسيم تشريعية، وهذا يعني أن يتنازل مجلس النواب عن الصلاحية المعطاة له كوكالة تمثيلية من الشعب اللبناني»، مذكّراً أن «هذا الموضوع انتهى في الجمهورية اللبنانية الأولى في ثمانينات القرن الماضي، ثم أعيد العمل به في العام 1999، حين فوّض مجلس النواب الحكومة في إصدار مراسيم اشتراعية في الحقل الجمركي. ولكن من الناحية القانونية في حال قام البرلمان بهذه الخطوة، عندها يحقّ للحكومة إصدار مراسيم اشتراعية وتعتبر قرارات إدارية يقبل الطعن فيها أمام مجلس شورى الدولة، وتبقى تتمتّع بقيمتها الإدارية ولا تتحوّل الى قانون». ويشير الى أنه «في حال أصدرت الحكومة هذه المراسيم، على مجلس النواب إما الموافقة عليها أو رفضها، وفي حال وافق عليها وحتى لو تضمّنت مخالفات تعتبر نصاً قانونياً، وتتحصّن من الطعن أمام مجلس شورى الدولة وتصبح قوانين يمكن الطعن فيها أمام المجلس الدستوري».
يشدّد ضاهر على أن «النقطة الأساس أن هذا الإجراء لم يعمل به إلا في العام 1999، والى الآن لم يصدر مجلس النواب قانوناً يوافق على هذا الإجراء. ما يعني أن ما يُسمّى قانوناً جمركياً صادراً في العام 1999 هو قرار إداري لا يتمتع بالصفة التشريعية»، معتبراً أنه «من المفروض ألّا يفوّض مجلس النواب الصلاحية المعطاة له من قبل الشعب اللبناني الى الحكومة (حصل استثناء على القاعدة الأساس)، بل إن الحكومات والسلطة القضائية مخوّلة بتطبيق القوانين، والقضاء الإداري احتاط لهذا الأمر واجتهد بأنه طالما أن هذا القرار صدر عن الحكومة بمرسوم اشتراعي، من دون الموافقة عليه من قبل المجلس النيابي فهو لا يعتبر قانوناً ويبقى قراراً إدارياً».
يسأل ضاهر: «كيف لحكومة مستقيلة ومبتورة الصلاحيات أن تطلب حق التشريع؟ وهي لا تستطيع الاجتماع لمناقشة موضوع جوهري وأساسي هو التدقيق الجنائي هذا صيف وشتاء تحت سقف واحد؟».
ويختم: «أعتقد أن غاية هذه الخطوة هو التحكّم بمردود الدولار الجمركي، والمراسيم الاشتراعية تصدر بناء لقانون تفويض يحدّد الأطر والمواضيع التي يسمح بها المجلس، فيتنازل عن صلاحيته وهذا يعني أن البرلمان مسؤول أمام الشعب اللبناني وهذه النقطة جوهرية».
ضاهر: كيف لحكومة مبتورة الصلاحيات طلب حق التشريع وهي لا تستطيع الإجتماع لمناقشة التدقيق الجنائي؟