الحكومة تقر مشروع الموازنة الجمعة الخطر على الرواتب مستمر

 

 

يسير مجلس الوزراء بخطى ثابتة نحو إقرار موازنة تقشفية تتضمن معظم ‏الإجراءات القاسية التي وعد بها الرئيس سعد الحريري، والتي تطال بشكل أساسي الموظفين ورواتبهم ومكتسباتهم. ‏فبحسب مصادر وزارية، بدا الحريري امس، وبمساندة من وزير الخارجية جبران باسيل، متمسكاً باقتراح خفض ‏الرواتب، رغم تأكيد عدد من الوزراء بأنه لن يمر، لأن دونه معركة كبيرة، ويصبح من دون جدوى إذا استُثنيت ‏شطور الراتب الاولى منه! لكن لم تظهر أمس أي معارضة تُذكر لاقتراح الحريري، ما يعني أن رواتب موظفي القطاع ‏العام لا تزال في دائرة الخطر. في المقابل، بالكاد مرت، أمس، الزيادة على فوائد أرباح الودائع المصرفية، بعد حصرها ‏بثلاث سنوات فقط‎.‎

لن تتأخر الموازنة قبل أن تُحوّل إلى مجلس النواب. بحسب وزير الإعلام جمال الجراح، يمكن أن يكون غداً يوم ‏إقرارها. عملياً، فإن الإصرار على إنجاز المهمة أعطى الحكومة قوة دفع تجاوزت كل الاعتراضات التي واجهتها، ‏والتي انحسرت بحكم الانتماءات الحزبية والطائفية للمنتفضين الذين التزموا سقف مرجعياتهم، بعد اتفاق الرؤساء ‏الثلاثة على تمرير المواد الإشكالية‎.

وحده مصرف لبنان تمكّن من الوصول إلى مبتغاه. إذ اكتشف مجلس الوزراء فجأة أن للمصرف قانونه الخاص، ‏وبالتالي لا يمكن شمله بالمؤسسات والمرافق والهيئات العامة، فسحب اسمه من المادة 61 من الموازنة التي تنص على ‏وقف العمل بالرواتب التي تزيد عن اثني عشر شهراً أياً كانت تسميتها أو نوعها. وفي المقابل، فإن المصرف سيجري ‏ترتيبات داخلية تؤدي إلى خفض النفقات، على ما تعهد حاكم مصرف لبنان‎.

وإضافة إلى استثناء المصرف المركزي، تقرر تعديل المادة لتسمح بأن يُستثنى من أحكامها الراتب الرابع عشر (بدلاً ‏من الثالث عشر) الذي يستفيد منه حالياً العاملون في المؤسسات العامة الاستثمارية والهيئات العامة. وقد أوضح الوزير ‏جمال الجراح أنه تم تأجيل إقرار هذه المادة لأن “هناك بنوداً مترابطة في ما بينها كالرواتب في الادارات أو في ‏المؤسسات أو لدى القوى الامنية أو من يتقاضون راتبين من خلال معاشات التقاعد وغيرها، فكلها سلة واحدة، ونحن ‏نريد أن نضعها كلها لاجراء جدول مقارنة بينها. وبالتالي، نؤجل هذا البند، وننتقل الى نقاش البند التالي لنتمكن في ‏النهاية من الوصول الى تصور معين يشمل كل الناس‎”.

وفي السياق نفسه، تقرر تحديد السقف الأعلى للرواتب، بحيث لا يتجاوز ما يتقاضاه أي موظف عشرين ضعف الحد ‏الأدنى، أي 13 مليوناً و500 ألف ليرة، بغض النظر عما إذا كان هذا المبلغ نتاج وظيفة واحدة أو أكثر أو نتيجة الجمع ‏بين معاش التقاعد وراتب آخر. بعدما سبق أن تقرر أن لا تتخطى التعويضات وملحقات الراتب 75 في المئة من ‏الراتب الأساسي‎.

النقاش الكبير حصل عند طرح رفع الضريبة على الفوائد من 7 إلى 10 في المئة، والتي أيدها وزراء حزب الله ‏وحركة أمل والتيار الوطني الحر والقوات، فيما عارضها بداية الرئيس سعد الحريري، مصراً على إعطاء المصارف ‏حق حسم هذه الضريبة من الضريبة على الأرباح. وعندما طلب الوزير جبران باسيل من رئيس الحكومة شرح ‏اقتراحه، تبين أن المطلوب إعفاء المصارف من كل الضريبة التي تدفعها حالياً وليس إعفاءها من الزيادة فحسب، لكن ‏عندها عاد الحريري ودعا إلى أن يكون الحسم محصوراً بزيادة الثلاثة في المئة فقط‎.

بعد ذلك، خرج أحد الوزراء ليحذر من أن هكذا اقتراح يعطي للمصارف مبرراً للطعن والمطالبة بأن تحصل على ‏حسم، فأعلن الحريري أنه ضد هذه الضريبة. لكن مع إصرار الأطراف الأربعة على موقفها، خرج الوزير محمد شقير ‏من القاعة لإجراء اتصال هاتفي، وعاد ليقدم اقتراحاً يسمح برفع الفائدة إلى عشرة في المئة على أن تخفض 1 في المئة ‏سنوياً، لتعود بعد ثلاث سنوات إلى معدلها الحالي، أي 7 في المئة. أمام هذا الاقتراح تراجع الحريري عن رفضه ‏للضريبة. وبعد نقاش إضافي، تم التوصل إلى اتفاق على رفع الفائدة إلى 10 في المئة لثلاث سنوات، من دون الخفض ‏التدريجي‎.

تولى الحريري الكلام مجدداً، وقال إن إقرار الزيادة هو بمثابة الإشارة بألا تساهم المصارف في تخفيض خدمة الدين ‏العام. كما قال إنه لإقناع المودعين والمصارف بدفع هذه الضريبة، لا بد من خفض أجور الموظفين في القطاع العام، ‏أو تجميد ما يصل إلى 15 في المئة منها لثلاث سنوات، وأيده في ذلك باسيل. لم يعلن وزير المالية موقفاً من ‏التخفيض، لكنه قدم، بناءً على طلب الحريري وباسيل، أربعة سيناريوهات للتخفيض، الأول ينص على أن تطال ‏الضريبة كل الرواتب، والثاني يقضي بإعفاء أول مليون ليرة من الراتب من موجب الحسم، والثالث يعفي أول مليونين ‏ثم أول أربعة ملايين. وقد تبين أن الاحتمالين الأخيرين غير مجديين لأن الإيرادات ستكون منخفضة (نحو 25 مليار ‏ليرة فقط في السيناريو الرابع)، خاصة أن من يتقاضون راتباً يفوق المليونين يشكلون ثلث عدد الموظفين فقط. بينما لن ‏يكون سهلاً تسويق الاقتراح الذي يقضي بأن يطال الحسم كل الرواتب أو شطر المليون ليرة. وفيما جرى نقاش بشأن ‏جدوى هذه التخفيضات، تقرر أن يستكمل النقاش اليوم‎.

وفي سياق متصل، طال النقاش تخفيض رواتب السلطات العامة (الرؤساء والنواب والوزراء)، إلا أن الأمر لم يحسم، ‏علماً أن الأغلبية تعارضه، وأبرزهم وزراء التيار الوطني‎.‎

مجلس الوزراء يبحث غداً مسألة تطبيق “التدبير رقم 3″ في الجيش ‏والمؤسسات الأمنية

وفيما تم التطرق عرضاً إلى المواد الضريبية، في انتظار الاجوبة على التقديرات المالية والمقترحات حول هذه البنود، ‏سيبدأ المجلس اليوم بمناقشة موازنات الوزارات كل على حدة. كما يُنتظر أن يقدّم وزيرا الدفاع والداخلية رؤيتهما ‏لمعالجة أوضاع الاجهزة العسكرية والامنية غداً، وفق تكليف مجلس الوزراء لهما ببت مسألة تطبيق القانون بما يخص ‏‏”التدبير رقم 3” (أن يُحتسب تعويض نهاية الخدمة للعسكري على أساس رواتب ثلاثة أشهر عن كل سنة خدمة في ‏المناطق العسكرية وزمن الحرب)، لكي لا يبقى جميع العسكريين والامنيين مشمولين بهذا التدبير، حتى من يعملون ‏في قطاعات مدنية او شبه مدنية. وأثار وزير الصناعة وائل بوفاعور مسألة الاملاك البحرية، مطالباً برفع بدل ‏الاستثمار الذي يدفعه شاغلو هذه الأملاك للدولة. ولم يؤيده في هذا الاقتراح سوى وزراء حزب الله الذين اقترحوا أن ‏يصدر هذا القرار بمرسوم خاص لا في قانون الموازنة‎.

وبالتوازي مع انعقاد الجلسة، كان النائب جميل السيد يعقد مؤتمراً صحافياً في المجلس النيابي، تحدث فيه مطولاً عن ‏الإيرادات التي تتجاهلها السلطة، مقابل إصرارها على المس برواتب الموظفين. وخص بالذكر الأملاك البحرية، فأشار ‏إلى أنها إذا كانت مرخصة فيجب أن تؤمن إيرادات، وإذا لم تكن مرخصة يجب استردادها. كما اعتبر أن التسعيرة ‏المحددة لاستثمار هذه الأملاك ضئيلة جداً، مشيراً إلى هدر مئات ملايين الدولارات سنوياً من جراء عدم استرداد الدولة ‏لحقوقها من تلك الاملاك، أو حتى تأجيرها لشاغليها بأرقام حقيقية‎.

من جهة أخرى، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، في لقاء الأربعاء النيابي، أن “الموازنة هي الفرصة الوحيدة ‏التي يمكن من خلالها تجاوز الوضع القائم”. وأعرب عن استيائه من “الشائعات التي ضخت في وسائل التواصل ‏الإجتماعي وهذا المناخ”، معتبراً أنه “مناخ تآمري لا يعكس الواقع والحقيقة، فالبلد ليس مفلساً والوضع النقدي سليم ‏وتحت السيطرة”. وأشار الى أن “إنجاز الموازنة سيشيع أجواء ثقة حتى قبل إقرارها في المجلس النيابي”، مؤكدا مرة ‏اخرى ان “لا مس بحقوق الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل والمتوسطة”. ورأى أن “قانون الموازنة قادر على أن ‏يحمل معايير موحدة للرواتب في المؤسسات والمصالح المستقلة‎

 

مصدرجريدة الاخبار
المادة السابقة“علي بابا” الصينية تحدث تحولا جذريا في أعمالها بروسيا
المقالة القادمةعملية سرقة ضخمة في سوق العملات الرقمية