إخراج سلفة الكهرباء بقيمة 5250 مليار ليرة من خارج أبواب إنفاق الموازنة وإحالتها إلى مجلس النواب لاقرارها بقانون خاص هو أحسن ما فعلته الحكومة. فهذه السلف التي دأبت وزارة الطاقة على طلبها لمؤسسة كهرباء لبنان تتناقض مع التعريف القانوني للسلفة. فعدا عن أنها طويلة الأجل، فهي تعطى لمؤسسة مفلسة لا قدرة لها على إرجاعها. في حين أن “المادتين 203 و204 من قانون المحاسبة العمومية تنصان على أن السلفة تعطى بعد تأكد وزير المالية من قدرة المؤسسة المستلفة على السداد”، يقول المدير العام السابق للاستثمار والصيانة في وزارة الطاقة غسان بيضون، و”التأكد من أن المؤسسة أدرجت في موازنتها الاعتماد الخاص لتسديد السلفة… وفي حال تجاوز مهل إرجاعها السنة يتطلب إقرارها من مجلس النواب”.
في المقابل فان هذه السلفة هي حساب ذمة، لا تظهر في الموازنة. والقصد بإدراجها في هذا الشكل المموه هو النية بعدم إرجاعها، وعلى النواب ألّا “ينغشوا” بهذه السلفة، كما المرات السابقة”، برأي بيضون، خصوصاً أن السلفة هي لشراء المحروقات التي لا يمكن للمؤسسة استرداد قيمتها.
كل عناصر السلفة إذاً غير متوفرة في ما تطلبه وزارة الطاقة، والقيمة المطلوبة 5250 مليار ليرة غير منطقية كيفما قلبناها. فهذا المبلغ لا يساوي أكثر من 260 مليون دولار على سعر السوق، وهو رقم لا يكفي لشراء المحروقات أكثر من شهرين في حال لم ترفع التعرفة إلى 14 سنتاً للكيلواط كما هو مقرر بخطة الكهرباء. وحتى لو ترافق مع رفع التعرفة فـ “لن يكفي أيضاً”، بحسب بيضون. ذلك أن التغذية لن تزيد إلا بضع ساعات في أحسن الاحوال وثلثا الانتاج سيذهب هدراً بسبب زيادة السرقة، وسينخفض معها الاستهلاك، ولن تبدأ الجباية في بعض المناطق قبل عامين من اليوم في جميع الحالات”. أما إذا كانت لتسديد متأخرات المتعهدين وشراء قطع الغيار ولدفع متأخرات البواخر فسيكون استخدامها أسوأ.
كل منطق السلفة غير مقنع ولا يمكن البناء عليه، ولا سيما إذا أضفنا كلفة استيراد الغاز المصري والكهرباء من الأردن المقدرة كلفتهما بحدود 1 مليار دولار. فمن أين سترد الأموال؟ سؤال على النواب التوقف عنده عندما يصلهم الطلب، وبدلاً من الموافقة عليه وتكبيد الخزينة والمواطنين المزيد من الخسائر، عليهم الضغط لتشكيل الهيئة الناظمة المستقلة للقطاع والمباشرة بتنفيذ الاصلاحات بدءاً من تخفيض الهدر.