لم يعد خافياً على الموظفين الفعليين بالقطاع العام ولا المتقاعدين منهم، عسكريين ومدنيين، عدم مصداقية الحكومة بشخص رئيسها نجيب ميقاتي. فالأخير يعتمد سياسة إطلاق الوعود منذ أشهر من دون أن يفي بأي منها.
يلتقي العاملون بالقطاع العام مع العسكريين المتقاعدين، الذين حاصروا السراي الحكومي وعطّلوا استكمال الجلسة التي انعقدت اليوم، على عدم الثقة بالحكومة ورئيسها الذي خيّب آمالهم ونكث بالوعود بتعديل الرواتب والمعاشات النقاعدية.
المواجهة مع الحكومة
مسلسل المواجهة بين الحكومة والمتقاعدين لم ينته بعد، فقد عقدت الحكومة اليوم جلستها في السراي الحكومي تحت حراسة أمنية مشدّدة، بحضور غالبية الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء سعاده الشامي، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، والأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية. غير أن الجلسة التي التأمت بعد تأخير دام لساعتين بفعل محاصرة العسكريين المتقاعدين مبنى السراي، لم تدم طويلاً، إنما اقتصرت على إصدار قانون الموازنة العامة وتعيين اللواء حسان عوده رئيساً للاركان في الجيش من خارج جدول الأعمال.
وتحت ضغط العسكريين المتقاعدين الذين حاصروا السراي الحكومي، مطالبين بشمولهم في عملية تصحيح الرواتب، لم تستكمل الحكومة البحث بجدول أعمالها المكوّن من 26 بنداً. وأعلن ميقاتي بعد تعليق الجلسة، أن الحكومة بصدد عقد جلسة يوم السبت المقبل للبحث بأوضاع العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام وآلية تحسين الرواتب.
وعد ميقاتي الجديد لم يأخذه المعتصمون على محمل الجد، فأعلنوا استئناف تحركاتهم يوم السبت المقبل تزامناً مع عقد مجلس الوزراء جلسته المخصصة لتعديل رواتب القطاع العام.
ميقاتي يخدع المتقاعدين
وحسب المعلومات، فإن ميقاتي ربط جلسة السبت المقبل بالبحث في قضية العسكريين المتقاعدين، بهدف تنفيس الإحتقان خارج السراي، لاسيما أن صدامات مباشرة وقعت بين العسكريين المتقاعدين وعناصر الجيش المولجة حماية السراي ومنع المتظاهرين من دخوله، وقد وقعت حالات اختناق جراء القنابل المسيلة للدموع ونُقل عدد من المتظاهرين الى المستشفيات.
أما في حقيقة الأمر، حسب المصدر، فإن ميقاتي كان عازماً على طرح بند الحوافز المالية للموظفين الفعليين بالقطاع العام من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم، مستثنياً منه أي تقديمات للعسكريين المتقاعدين.
أما المفاجأة فتكمن في رفض لجان وروابط موظفي القطاع العام الطرح الذي كان بحوزة ميقاتي، والذي يقتصر على زيادة بدلات النقل للموظفين الفعليين بالقيمة نفسها المطروحة في مقترح الحوافز المالية، وذلك لإيجاد مخرج يجنّب الحكومة عبء أي تقديمات مالية للمتقاعدين. على اعتبار أن بدلات النقل تتعلق بانتقال الموظفين الفعليين. أما المتقاعد فلم يعد منتجاً. وعليه، لا لزوم لبدل الانتقال ولا قدرة للحكومة لتعزيز معاشه.
استئناف المواجهة
ويعتزم العسكريون المتقاعدون استئناف المواجهة الميدانية مع الحكومة يوم السبت المقبل، وسط طروحات، لم تخرج إلى العلن حتى اللحظة، تقضي بالتواصل مع تجمعات المتقاعدين المدنيين وموظفي القطاع العام، لحشد جهودهم بالمواجهة مع الحكومة، لاسيما أن الأخيرة نكثت بوعدها أيضاً تجاه موظفي القطاع العام المستمرين حتى اللحظة بإضرابهم.
وكانت وزارة العمل قد طلبت، حسب أحد البنود المطروحة على جدول أعمال مجلس الوزراء، الموافقة على مشروع يرمي إلى تحديد قيمة بدل النقل اليومي للموظفين الخاضعين لقانون العمل من 250 ألف ليرة إلى 450 ألف ليرة يومياً.
وعلى الرغم من عدم إقرار غالبية البنود على جدول مجلس الوزراء اليوم، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى تضمنه عدداً من البنود المثيرة للتساؤلات، منها طلب وزارة الاتصالات الموافقة على التعاقد بالتراضي من أجل تحديث نظام الجودة لدى شركتي الهاتف الخلوي Quality Assurance Solution through Signaling (Control Plane & User Plane Capture). ففي وقت تشهد فيه السراي الحكومي حالاً من الغليان الشعبي في محيطها، تحت وطأة مطالبة العسكريين المتقاعدين بتأمين أدنى مقومات العيش، ثمة وزراء ومنهم وزير الاتصالات، مستمرون بتمرير الصفقات والعقود بالتراضي، بعيداً عن قانون الشراء العام.
تذكير بمطالب المتقاعدين
أما مطالب العسكريين المتقاعدين فقد رفعوها أكثر من مرة إلى الحكومة، التي لم تتحاور معهم حتى اللحظة. وتتلخّص بالآتي: منح نسبة زيادة واحدة لكل الموظفين والمتقاعدين وفقاً لما تسمح به موازنة 2024، وأن لا تقل هذه الزيادة عما يسمح بتأمين الحد الأدنى للعيش الكريم، للفئات الوظيفية والرتب الدنيا، وتصحيح مرحلي ومتدرج للرواتب والأجور وفقاً لتطور مداخيل الدولة، وبما يحفظ الاستقرار النقدي، وأخيراً دمج جزء من الزيادة في أساس الراتب حفاظاً على قيمة التعويض التقاعدي، إضافة إلى التصحيح بمفعول رجعي للتعويضات التقاعدية وفقاً لسعر صرف عادل للدولار.