الحملة الأوروبية للتنظيم الرقمي تزيد مخاوف وادي السيليكون

تفاقمت مخاوف شركات وادي السيليكون من الحملة الضريبية الأوروبية التي تستهدف عمالقة التكنولوجيا الأميركية بهدف فرض ضريبة تجبر الشركات على الالتزام بضوابط المنافسة وتجنّب الاحتكار، في مبادرة تعكس رغبة أوروبا في افتكاك حصة من السوق الرقمية العالمية.

ومن جهتها أبدت الحكومة الفرنسية إصرارها على تطبيق القانون الصادر في يوليو 2019 والذي ينص على فرض ضريبة بنسبة 3 في المئة على إيرادات “عمالقة الإنترنت وذلك مع تأكيد وزارة الاقتصاد أنه ستتم جباية الضريبة على هذه الشركات في العام 2020”.

ونقلت قناة “فرانس 24” عن وزارة الاقتصاد الفرنسية، أنه ستتم جباية الضريبة على شركات الإنترنت الكبرى في عام 2020 رغم التهديدات الأميركية بالرد بتدابير تستهدف منتجات فرنسية بقيمة 1.3 مليار دولار.

ويذكر أن الولايات المتحدة هددت بالرد على هذه الضريبة التي تعتبرها تمييزية ضد شركاتها بتدابير تستهدف منتجات فرنسية بقيمة 1.3 مليار دولار.

ولفت مصدر في وزارة الاقتصاد إلى أن “الشركات الخاضعة لهذه الضريبة تلقت إشعارا ضريبيا لسداد أقساط 2020”. وذكر أن فيسبوك وأمازون “من بين الشركات” التي تلقت إشعارا “في الأيام القليلة الماضية”.

وكان البرلمان الفرنسي قد أقر في يوليو 2019 ضريبة بنسبة 3 في المئة على إيرادات عمالقة الإنترنت، في أول خطوة من نوعها في العالم تجاه شركات مجموعة “جافا” (غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون) وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات. وبلغت عائدات هذه الضريبة 350 مليون يورو في 2019.

غوغل تستعد للمواجهة

كشفت وثيقة داخلية خطة شركة غوغل الأميركية التكنولوجية الكبيرة لمواجهة مشاريع وضع ضوابط للمجال الرقمي في أوروبا، وهي تعكس قلق الشركات العملاقة في هذا المجال من احتمال مراجعة نموذجها الاقتصادي.

وفي الخطة التي كشفتها مجلة “لوبوان” الفرنسية تسعى حملة غوغل إلى تكثيف المعارضة ضد تيري بروتون، المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية الذي يقف وراء مشروع التشريع الأوروبي الذي يعرض في التاسع من ديسمبر ويهدف إلى تطويع الشركات الرقمية العملاقة.

واطلعت وكالة الصحافة الفرنسية على الوثيقة التي تفصل استراتيجية الضغوط التي تعتمدها الشركة الأميركية.

وتناول بروتون الرئيس السابق لمجموعة “إتوس” للتكنولوجيا ووزير الاقتصاد الفرنسي السابق، هذه الخطة في منتصف نوفمبر الماضي في اتصال هاتفي مع رئيس غوغل سوندار بيشاي الذي يبدو أنه اعتذر منه على ما تفيد مصادر المفوض الأوروبي.

وقال تيري بروتون بحسب محضر الاتصال الذي وفرته أجهزته “سنسعى إلى جعل الاتحاد الأوروبي قادرا على تخفيف التصرفات غير الشريفة من قبل المنصات الكبيرة لكي لا تستفيد حفنة صغيرة من الشركات فقط من الإنترنت”.

التنظيم الرقمي أولوية
لا تخفي المفوضية الأوروبية عزمها على خلق منافسة أوروبية في وجه الشركات الأميركية الرائدة.

وكانت هذه الشركات تحظى بإشادات قبل سنوات بسبب ابتكاراتها الجديدة، إلا أنها تجد نفسها الآن أكثر فأكثر في قفص الاتهام بسبب استغلال موقعها المهيمن والتهرب الضريبي أو تشكيلها تهديدا لوسائل الإعلام والديمقراطية وغيرها من الأمور.

ويعتبر تنظيم القطاع الرقمي أولوية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، الذي من شأنه إزالة مجالات لا تخضع للقانون عبر الإنترنت من خلال قمع خطاب الكراهية وحظر بيع المنتجات غير القانونية.

ويهدف خصوصا إلى فرض قواعد غير مسبوقة على الشركات الكبرى فقط في هذا المجال تنظم استخدام البيانات وضبابية الخوارزميات المستخدمة أو ميلها إلى تشكيل مجموعات عملاقة.

وتكشف خطة غوغل أيضا عزمها على نيل دعم الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، إذ أن أكبر الشركات في القطاع جميعها أميركية. وتنوي غوغل استغلال المفاوضات التي ستستمر سنتين بين المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي للتخفيف من صرامة النص النهائي.

وأوضح ألكسنرد ستريل، أستاذ القانون في جامعة نامور وأحد مدراء مجموعة البحث “سنتر أون ريغوليشين إن يوروب”، أنه “للمرة الأولى ستكون لدينا قواعد تنظيمية تركز فقط على الشركات الكبرى. ستوضع قواعد لضبط نفوذها”.

وتخشى هذه المجموعات من أن يشكل النهج الأوروبي مثالا تحتذى به في بقية مناطق العالم.

وأوضح ستريل “هذا يعني أنه يجدب على هذه الشركات أن تغير طريقة عملها” خصوصا إذا أرغمت على تشارك البيانات والإشراف أكثر على المضامين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن شأن هذه الإجراءات أن ترفع الكلفة المترتبة على هذه الشركات وتخفض إيراداتها وتسمح ببروز منافسين جدد، وأن تقضي تاليا على “الدجاجة التي تبيض ذهبا”.

وتستعد جمعية “كمبويتر أند كومينيكشنز إنداستري أسوسييشن”، إحدى مجموعات الضغط في المجال الرقمي، للمعركة. ويقول نائب رئيس الجمعية في أوروبا كريستيان بورغرين “آمل أن نخرج من النقاش الذي يعتبر أن ‘الشركات الكبرى شريرة’ لأن ذلك لن يحل المشاكل. في حال وقعت كل الواجبات والتدابير على الشركات الكبرى، ستنتقل التصرفات السيئة إلى الشركات الصغيرة”.

وتحقق شركات معروفة اختصارا بـ”غافام” (غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت) مردودا هائلا وهي من أعلى الشركات قيمة في العالم.

وأصبحت أبل خلال الصيف الماضي تتمتع بأكبر قيمة سوقية في البورصة مع ألفي مليار دولار، أي ما يوازي تقريبا إجمالي أكبر أربعين مجموعة فرنسية.

وتعتمد هذه الشركات على الابتكارات وتستحدث وظائف كثيرة. إلا أن غوغل وفيسبوك مستهدفتان بسبب نقص في الشفافية بشأن الإعلانات الموجهة. أما أمازون فمتهمة باستغلال بائعين يستخدمون منصتها. وفي المقابل تتهم أبل ومايكروسوفت باستغلال موقعهما المهمين في أنظمة التشغيل.

لكن هل سينجح الاتحاد الأوروبي في ضبط هذه الشركات؟ لا يبدو ستريل مقتنعا تماما، إذ يعرب عن خشيته من غياب سلطة قادرة على السهر على احترام القواعد التي يتمنى أن تكون “صارمة جدا”، ومن المبالغة أيضا في التنظيم في أوروبا “ما قد يقضي على كل شيء”.

وردّت واشنطن على هذه الضريبة التي تعتبرها تمييزية ضد الشركات الأميركية، فهددت بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على بعض المنتجات الفرنسية ولاسيما الأجبان ومستحضرات التجميل وحقائب اليد.

لكنّ البلدين توصلا في يناير إلى هدنة لترك فرصة للمفاوضات الجارية برعاية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بهدف إنشاء ضريبة عالمية على الشركات متعددة الجنسيات، فجمدت باريس جباية الضريبة فيما امتنعت واشنطن عن فرض عقوبات. غير أن المفاوضات فشلت في أكتوبر، فسقطت معها الهدنة.

وصرح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير في منتصف أكتوبر “علقنا تقاضي الضريبة ريثما تؤدي مفاوضات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى نتيجة. هذه المفاوضات فشلت، وبالتالي سنجبي ضريبة على عمالقة الإنترنت في ديسمبر المقبل”.

وأطلقت فرنسا في مارس 2019 سباق مطاردة عمالقة تجارة التجزئة الإلكترونية بالإعلان عن خطط لفرض ضرائب بنحو 5 في المئة على مداخيلها السنوية.

وتستهدف الحكومة الفرنسية جمع نحو نصف مليار يورو كحصيلة ضريبية سنوية من عمالقة التجارة الإلكترونية.

ومهد تطبيق الضريبة في فرنسا لدخول عدد من دول الاتحاد الأوروبي في مقدمتها بريطانيا والنمسا بشكل منفرد لعدم وجود إطار موحد حتى الآن للدخول في هذه المغامرة.

ويبلغ معدل الضريبة الحالية على عمالقة التكنولوجيا في أوروبا حوالي 9 في المئة، فيما تدفع شركات في قطاعات أخرى ضريبة بنسبة 23 في المئة.

ودافعت باريس بلا نجاح طيلة السنوات الثلاث الأخيرة عن موقفها الرامي إلى اعتماد رسوم ضريبية أوروبية موحدة على عمالقة العالم الرقمي وفي مقدمتها الشركات الأميركية الكبرى.

وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت في مارس 2018 فرض ضريبة على إيرادات شركات التكنولوجيا من أنشطتها في مجالات مثل الإعلانات، في حين لم يتم الاتفاق على شروط هذه الضريبة حتى الآن.

ووفقا للخطة الأوروبية المقترحة، فإن الضرائب ستطبق على أي شركة تتجاوز عائداتها المالية العالمية 750 مليون يورو وتتجاوز مبيعاتها في فرنسا 25 مليون يورو، والتي تمثل نحو 30 شركة.

تحايل على سلطات الضرائب

تاريخ شركات التكنولوجيا الأميركية حافل بالتحايل على الضرائب حيث سبق وأظهر تحليل مالي عام 2013 للمئات من تقارير الشركات أن أغلب شركات التكنولوجيا الأميركية تخفض مدفوعاتها الضريبية عن طريق عدم إعلان إقامة ضريبية في أسواقها الرئيسية في أوروبا، وهو ما يمنع السلطات الضريبية في هذه الدول حتى من تقدير دخلها.

وأصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حينها خطة عمل لمعالجة ما تصفه بأنه تحايل الشركات لتجنب دفع الضرائب. ومنذ ذلك الوقت أصبح ذلك يمثل مشكلة سياسية كبيرة، إذ يغضب الأفراد من دفع ضرائب عالية في حين تدفع الشركات ضرائب منخفضة نسبيا.

وقالت المنظمة، التي تقدم النصح للدول الغنية الأعضاء بها في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والضريبية، إنها تحتاج لتقييم إلى أي مدى تستخدم الشركات في الاقتصاد الرقمي أساليب مثل عدم إقامة مقر ضريبي أو مقر دائم في الدول التي تكون لها فيها عمليات ضخمة لتجنب دفع الضرائب.

وتساءلت جمعيات أعمال مثل اللجنة الاستشارية للأعمال والصناعة واتحاد الصناعات البريطاني إلى أي مدى تستخدم الشركات مثل هذه الأساليب، مشيرة إلى أن التحايل الضريبي الذي ذكرت تقارير على نطاق واسع أن شركات كبرى مثل أبل وغوغل وأمازون تمارسه ربما يكون استثناء. وقال اتحاد الصناعات البريطاني في تقرير أرسله في أبريل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “لم يتضح حجم هذه المشكلة.

وأظهرت تحليلات أجرتها رويترز أن 37 من أكبر 50 شركة تكنولوجيا أميركية ليس لديها مقر ضريبي في أكبر أسواقها في أوروبا.

وليس هناك أي إشارة إلى أن هذه الممارسات غير قانونية. وقالت بعض هذه الشركات التي استجابت لطلب التعليق إنها تتبع القواعد الضريبية في جميع الدول التي تعمل بها. ومن هذه الشركات مايكروسوفت التي تبيع برامج الكمبيوتر لزبائن في مختلف أرجاء أوروبا من مقر في دبلن، وقالت إن ترتيباتها هذه جاءت أساسا نتيجة رغبتها في خدمة الزبائن بشكل فعال وليس لأسباب تتعلق بالضرائب.

وقال تشاس روي تشودري، مسؤول الضرائب في اتحاد المحاسبين المعتمدين، إن مديري الشركات يلتزمون أمام المستثمرين باستخدام الأساليب القانونية في خفض العبء الضريبي، وأضاف “ضرائب الشركات تمثل تكلفة أخرى على الشركة”.

وتظهر تحليلات أن ربع شركات التكنولوجيا الكبرى فقط تبلّغ عن دخلها في الدول التي تحقق فيها الجزء الأكبر من دخلها. أما بقية الشركات فتعلن عن مقر دائم في سوق أصغر تكون الضرائب فيه أقل مثل أيرلندا وسويسرا وهولندا. ويضمن ذلك ألا تتمكن السلطات الضريبية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا حتى من تقدير دخل هذه الشركات فضلا عن محاسبتها ضريبيا.

وقال فيليب كيرمود، مدير الإدارة العامة للضرائب واتحاد الجمارك في الاتحاد الأوروبي، عن نتائج التحليل “الناس يجب أن ترى ذلك مذهلا”.

ورفض باسكال سانت أمانز، مدير مركز السياسة الضريبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن ترتب من حيث الأولوية الإجراءات التي يتعين على المنظمة اتخاذها، وقال إنه من المهم معالجة جميع أساليب التحايل الضريبي.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمصر تدشن أول شركة لضمان مخاطر الصادرات للسوق الأفريقية
المقالة القادمةالحياة عادت إلى البلاد جزئيا.. والقطاعات ملتزمة الاجراءات الوقائية