خلال ندوة عُقدت في معهد “مجلس الأطلسي” في واشنطن، قبل أيام، وجّه مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب المالي مارشال بيلينغسلي، 3 رسائل مبطّنة إلى الداخل اللبناني، طالت كل واحدة منها طرافاً محدداً.
كلام بيلينغسلي بدا غير دبلوماسي وصريح “بلا قفازات” لم يُسمع مثله على لسان دبلوماسي أميركي أبداً، خصوصاً حينما تحدّث عن مصرف لبنان والحاكم رياض سلامة، من دون أن يسميه.
في الرسالة الأولى، توجّه بيلينغسلي إلى حلفاء “حزب الله”، فحذّر من “عقوبات جديدة قد تشمل جهات إضافية لن تفرّق بين هويتها السياسية أو الحزبية أو حتى الدينية”، داعياً اللبنانيين إلى “أخذ المبادرة لمواجهة سياسات الحزب” التي قد تدفع بلدهم نحو مشكلات تمسّ استقراره السياسي والإقتصادي”.
هذا الكلام بدا موجّهاً بشكل مبطّن إلى حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، خصوصاً أن كلام المسؤول الأميركي في هذا الصدد لم يكن حديثاً، وقد ردّده من قبل مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في مقابلة قبل أيام مع محطة “أل.بي.سي” ضمن برنامج “عشرين 30″، إذ قال “في المستقبل سنعلن أسماء جديدة لأشخاص (تُدرج على لائحة العقوبات) يساعدون ويساندون الحزب، بغض النظر عن الدين والطائفة”.
في حينه، سُئل شينكر إن كانت ستطال حلفاء لـ”حزب الله”، قال: “بلا أي شك”، كاشفاً أن الخزانة والخارجية بصدد “مراجعة الأسماء والعقوبات وغيرها من التفاصيل”، ما يعني أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، وسط استبعاد أن تطال العقوبات مصارف هذه المرة (أقله في الوقت الحاضر)، بل ترجّح مصادر مطلعة أن تُوجّه لكيانات تجارية (شركات ومؤسسات) وأفراد.
أما الرسالة الثانية، فوجّهها بيلينغسلي إلى خصوم “حزب الله” وكل من لا يتّفق مع سياساته، وذلك حينما كشف أن وزارتي الخزانة والخارجية تسلّمتا في الفترة الأخيرة معلومات قيّمة من الداخل اللبناني، قادت إلى فرض عقوبات على عدد من قيادات “حزب الله” بينهم شخصيات في السلطة اللبنانية و”جمّال ترست بنك”، وهو ما يُفسّر على أنه بمثابة دعوة صريحة وحض مباشر على التعاون مع الخزانة من خلال تقديم معلومات، ربما تساعد على تقويض أعمال “حزب الله”، وهذا أمر جديد وخطير، خصوصاً بعد ربط التعاون بمكافآت وحوافز كُشف عنها مؤخراً.
أما الرسالة الثالثة وهي الأهم، فكشف بيلينغسلي، أن وزارة الخزانة قد سبق أن وجّهت “رسائل واضحة وجدّية إلى مصرف لبنان والمؤسسات المصرفية اللبنانية، تحذّرها من مواصلة السماح لحزب الله باستخدام النظام المصرفي اللبناني”، هذا الكلام حمل في طياته لأول مرة تلميحاً إلى ما يشبه العتب على المصرف المركزي والحاكم رياض سلامة. في هذا الصدد، يقول مصدر لموقع “ليبانون ديبايت” رافضاً الكشف عن إسمه أن “الكلام بحق مصرف لبنان وحاكمه يخص إدراج جمال ترست بنك على لائحة العقوبات مؤخراً. كان يفترض أن يُبتّ بتصفيته في غضون أيام قليلة، لأن الأخير بات غير قابل للحياة. لكن الأمور أخذت منحى مختلفاً بسبب تدخل السلطات السياسية (الشيعية تحديداً)”.
ويضيف المصدر أن كلام بيلينغسلي، “بدا اتهاماً مباشراً لمصرف لبنان ولشخص الحاكم رياض سلامة، بالتخلّي عن استقلاليته البديهية عن السلطة السياسية. لقد أوحى المسؤول الأميركي بكلامه الأخير، وهو جريء جداً، بأن سلامة يخضع للسلطة السياسية ويماطل في البتّ بأمر المصرف المعاقب”. ثم يستطرد قائلا: “اتهام الحاكم بعدم الإستقلالية، قد يكشف القطاع المصرفي والوضع النقدي ويعرّضهما لخطر شديد”. “وحينما فرضت الخزانة عقوبات على جمال ترست بنك، كان يمكن لمصرف لبنان أن يعزل حسابات الدولار عن تلك بالليرة اللبنانية ويستمر المصرف بالعمل. وكان يفترض بالمصارف المحلية أن تختار بين التعامل معه أم لا، وهي الآن ترفض ذلك بشدة بخلاف رغبات الحاكم خوفاً من العقوبات”.
أما عن سبب عدم قبول المصارف للوادئع الوافدة من “جمّال ترست بنك” فيرفض المصدر الخوض بها، لكن الإستنتاجات كلها ربما تقود إلى أن ذلك سببه الخوف، وربما عدم ثقة هذه المصارف بوحدة الإمتثال الخاصة بالمصرف المذكور التي ورّطته بما وصل إليه، حسبما يُشاع. كما يُرجّح أيضا أن تكون إجراءات الحيطة والحذر التي يتّخذها المصرف المركزي نفسه، سبباً إضافياً لتعزيز هذا الخوف، فهذه الإجراءات مهمتها طمأنة المصارف بأن الشيكات المسحوبة على إسم أي مصرف نظيفة وشرعية، فمن يضمن هذا الأمر بعيداً عن لعبة السياسة وهاجس الفساد؟
حتى هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال هي الأخرى قد تكون معرضة الى حد كبير للابتزاز السياسي والحزبي وهذا كله يعكس واقع القطاع المصرفي المرير الذي بلغ حال الإرباك الشديد ووضع الحاكم تحت ضغوط هائلة أوصلتنا إلى ما وُصف بأنه مماطلة.
ويعود المصدر إلى كلام بيلينغسلي، فيكشف أن “الإتهام ليس لعدم تعاون مصرف لبنان، بقدر ما هو استياء من الحاكم في ما يبدو، ولأنه أخضع نفسه لرغبات السلطة السياسية. فالخزانة الأميركية تعلم جيداً ماذا يدور من اجتماعات تُعقد مع السياسيين، الرئيس نبيه بري مثلا، الذي يولي موضوع “جمّال ترست بنك” عنايته الخاصة بمعزل عما إذا كان الحاكم يجتمع به أم لا”. ثم يختم حديثه بالقول: “توخّي الموضوعية والدقة يجبرنا على الإعتراف بكل صراحة، بأن العقوبات على جمّال ترست بنك كانت سياسية أكثر منها مصرفية، وكل ما أُدرج في قرار العقوبات لا يعكس الواقع حكماً. فلو كان الحل بيد الحاكم، لكان وجده في غضون أيام قليلة، تماماً مثلما حصل بأزمة البنك اللبناني ـ الكندي، الذي كان مصرفاً مارونياً – شيعياً، بينما جمّال ترست بنك شيعي بامتياز، وينتشر في جغرافيا حركة أمل وحزب الله حصراً!”.