أمس الاول، قطع محتجون الطريق الدولية عند نقطة العريضة في عكار على شاحنات محمّلة بالخضار قادمة من سوريا الى لبنان، فأثارت هذه الحادثة أسئلة كبيرة تتعلق بنية البعض المشاركة في عملية تجويع اللبنانيين، لتُضاف هذه الحركة الى ما يُحكى عن مشروع «العصيان الضريبي» الذي يتم بحثه على طاولة الحراك الشعبي، ولو أن الأمر لا يزال مقتصرا على فئة منه.
يمكن أن نتفّهم توقف عمليات استيراد المواد الغذائية من الخارج بسبب عدم وجود دولار في الأسواق وما يتسبب به من انقطاع لبعض المواد، ولكن لا يمكن أن نتفهّم أن أحدا يريد قطع الطريق على الشاحنات المحملة بالخضار والقادمة من سوريا، بما يوحي وكأن قرارا اتخذ على هذا الصعيد، تقول مصادر مالية لبنانية، مشيرة الى أن هذه الأفعال تزيد الضغط على الوطن والمواطن لا على المسؤولين.
وتضيف المصادر أن الحديث عن عصيان مدني ضريبي اذا تم تطبيقه واستغله اغلب اللبنانيين لعدم دفع الضرائب والفواتير فهذه ستكون مشكلة كبيرة، خصوصا أن الخزينة العامة لا تحتمل خسائر إضافية على قاعدة أن المشكلة التي تعانيها تكفيها.
في بلد غير منتج كلبنان يتم الاعتماد على الضرائب والرسوم والسياحة وإيرادات المرفأ والمطار والهاتف كمصادر أساسية لدخل الخزينة، وفي الازمة التي يعانيـها لبنان حاليا انخفضت إيرادات المرفأ بحسب المصادر بنحو 75 بالمئة على الأقل، الى جانب إنحسار ايرادات المطار للأسباب نفسها، وكذلك السـياحة، حيث أن نسبة التشغيل للفنادق في بيروت العاصــمة لا تتعدى الـ 5 بالمئة، بينما تقارب الصفر الى واحد بالمئة في المدن الأخرى، كذلك فإن الموسم السياحي ضُرب بشـكل كامل وعطلة العيد لن تشهد سياحا في لبنان بسبب إلغاء آلاف الحجوزات وخصوصا من قبل مجموعات سياحية اوروبية كانت تنوي القدوم الى لبنان.
إن هذا الواقع في المرفأ والمطار والسياحة، يُضاف اليه ضعف المردود الضريبي والرسوم، حتى قبل أن تبدأ مرحلة العصيان الضريبي، اذ أن مبنى الواردات المالية يشهد تدنيا ضخما في الإيرادات بسبب المهل التي تُعطى للشركات والأفراد لتقديم التصاريح الضريبية، وحتى بسبب عدم تقديم هذه التصاريح بوقتها نظرا لظروف الشركات المالية، وإقفال عدد كبير منها.
ولا تتوقف المصادر المالية عند هذا الواقع، اذ تشير الى أن الاقتصاد الوطني يخسر بشكل يومي جرّاء الازمة الحالية حوالى 200 مليون دولار، وهذا الرقم يمكن الوصول اليه من خلال قسمة الناتج الوطني خلال العام على عدد أيام العمل الفعلية، ما يشير الى أن كل يوم عمل تُقفل فيه الدولة يعني خسارة حوالى 200 مليون دولار.
اذا، لا يوجد أمام الخزينة موردا الا قطاع الإتصالات، وبعض الفواتير كالكهرباء، التي هي مؤسسة خاسرة بطبيعة الحال، والماء، ما يعني ان اي خلل إضافي في هذه المداخيل، سواء عبر العصيان الضريبي، ام غيره، يعني أن الخزينة العامة ستصبح بلا مال، وعندها تتوقف عجلة الدولة، ولذلك أعلنت حال الطوارىء المالية لاجل تسديد رواتب القطاع العام، اذ يشدد وزير المالية علي حسن خليل على أن الاولوية في كل ما يجري هو لتسديد الرواتب، والتي تُقدّر بحسب المصادر المالية بحوالي 650 مليار ليرة شهريا.
وتضيف: «بلغ حجم الرواتب في الموازنة العامة حوالى 8700 مليار ليرة لبنانية، أي ان الدولة تدفع مقابل كل يوم عمل في إداراتها ومؤسساتها 35 مليار ليرة تقريبا، وبالتالي فإن كل تعطيل للأعمال يعني خسارة هذا المبلغ أيضا».
كما اعلن وزير المال أن الرواتب لشهر كانون اول مؤمنة، ولكن بالنسبة الى الأشهر القادمة فلا أحد يعلم بما سيحصل، فالدولة تعيش كل يوم بيومه، ما يعني أن العصيان الضريبي والتوقف عن دفع الضرائب والرسوم قد يؤدي الى الإفلاس، فهل المطلوب بحسب المصادر إفلاس لبنان أم تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية تُفيد المواطن؟
ايمن عبدالله- الديار