في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لنقاش مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف في مجلس الوزراء، تمهيداً لاقراره وتحويله الى مجلس النواب (من المرجح أن يسقط لأن كثيرين يتبرأون منه)، يحاول المصرف المركزي الترويج لحلٍّ لأزمة الودائع الكارثية على الطريقة اللبنانية وليس وفقاً للمعايير الدولية. يستند هذا الحل الى المادة 113 من قانون النقد والتسليف، والتي تنص حرفياً على التالي «يتألف الربح الصافي لمصرف لبنان من فائض الواردات على النفقات العامة والاعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. ويقيد 50 بالمئة من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي يدعى «الاحتياطي العام» ويدفع 50 بالمئة الى الخزينة. وعندما يبلغ الاحتياطي العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20 بالمئة للاحتياطي العام و80 بالمئة للخزينة. واذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الاحتياطي العام وعند عدم وجود هذا الاحتياطي او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة. واذا اصبح رصيد حساب «الاحتياطي العام» من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة اقل من نصف الرأسمال، يجري توزيع الربح الصافي مجدداّ بنسبة 50 بالمئة لهذا الحساب و50 بالمئة للخزينة الى ان يبلغ الحساب مجدداً نصف الرأسمال».
فماذا يعني ذلك من الناحية العملية؟ بحسب الخبراء، الاستناد الى هذه المادة لحل مشكلة الودائع، يعني تحميل الاجيال القادمة مسؤولية تسديد 60 الى 70 مليار دولار من خلال اصول الدولة وايراداتها ودفع رسوم وضرائب لـ 50 عاماً مقبلة على الاقل ، واعفاء كل من المصارف ومصرف لبنان من تحمل مسؤولية هذه الخسائر. علماً أنه من الناحية القانونية، فان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خبأ هذه الخسائر لمدة 30 عاماً، ولم يفصح عنها كما تنص المادة 117 من قانون النقد والتسليف.
منصوري يناسب المنظومة
ويرى الخبراء أنه لا يمكن للحاكم بالانابة وسيم منصوري أن يرمي هذه الخسائر في حضن الدولة، لأنه من المفروض أن يمر اي دين عام عبر البرلمان وبقوانين وتشريعات. لكن على أرض الواقع لا يعلم النواب شيئاً عن هذا الدين الذي يريد منصوري تركيبه على الدولة، في حين كان الحاكم السابق رياض سلامة أعلن فجأة ان هناك خسائر لمصرف لبنان موزعة على أكثر من قطاع وابرزها قطاع الكهرباء. واكد قانونيون أن «محاولة منصوري هذه تناسب المنظومة لأنها شريكة مع سلامة في تبديد هذه الاموال، وحالياً يتعاونون لوضع هذا الدين في رقبة الشعب اللبناني. بمعنى آخر أن منصوري بهذا الاقتراح لم يغير شيئاً في المعادلة التي كان يعتمدها سلامة ويروّج للسردية نفسها التي كان يتبعها سلفه في تحميل الدولة الخسائر وعفا الله عما مضى.
إستيلاء جديد
في التشريح القانوني للمادة 113 من قانون النقد والتسليف يشرح المحامي فؤاد دبس (عضو رابطة المودعين) لـ»نداء الوطن»، أن «هدف المشرع اللبناني من وضع هذه المادة هو المساهمة في انتظام عمل كل مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات المالية بشكل قانوني، لكن هذا الامر لم يحصل على مدى 30 عاماً»، مشدداً على أن «الدليل هو أن المصرف المركزي لم يكن يدار بشكل سليم من الحاكم السابق رياض سلامة، وبالاتفاق مع المنظومة السياسية والمصرفية. وهذا الاداء أدى الى سرقة اموال المودعين ومقدرات الدولة. وبالتالي الطرح الحالي بتحميلها الخسائر هو استكمال لهذه السرقة من خلال الاستيلاء على اصولها وتخصيصها، لكي يستفيد منها لاحقاً السياسيون وشركائؤهم من كبار التجار والمتمولين والمصرفيين».
الدولة ضحية المنظومة
يجزم الدبس أن «الدولة اللبنانية هي ضحية هذه المنظومة السياسية – المصرفية، التي تعمدت افقارها وتجريدها من كل نقاط قوتها الاقتصادية، ومن ثم نهبها بطرق غير شرعية وملتوية. واليوم يصرون على أن تدفع الدولة هذه الخسائر»، مؤكداً أن «القانون والعدالة الاجتماعية يقتضيان عدم تحميل الدولة ثمن الارتكابات التي حصلت بحقها من قبل مجموعة من السياسيين والمصرفيين. فمن الناحية القانونية لا توجد نصوص قانونية واتفاقات بينها وبين والمصارف والمركزي عن مسؤوليتها عن خسائر بـ 16.6 مليار دولار التي أعلن عنها سلامة قبيل نهاية ولايته، ولا عن الخسائر الاخرى التي أعلنها. وهذا امر بديهي في اجراءات استدانة الدولة من المصارف (علماً انه من الممكن تشريعها لاحقاً وبطريقة ملتوية من قبل الطبقة السياسية ومجلس النواب على جري عادتهم)».
طريقة ملتوية مافيوية
ويؤكد أنه «فعلياً لا يمكن التعامل مع هذه الخسائر من خلال المادة 113 فقط، بل من بقية المواد في قانون النقد والتسليف والدستور اللبناني أي المادة 117 ايضاً، خصوصاً أن الخسائر حصلت منذ سنوات طويلة ولم يتم التصريح عنها، وتسبب بها من قام بادارة شؤونها على مدى العقود الماضية (السياسيون والمصارف) بطريقة مافيوية»، مؤكدا أن» هذه المادة (117) تنص على ان على حاكم مصرف لبنان ووزير المالية، نشر قبل 3 حزيران من كل عام ميزانية المركزي وحساب عن الخسائر والارباح عن السنة المنتهية، وتقرير عن عمليات المصرف خلالها. ونشر ميزانية مصرف لبنان في الجريدة الرسمية خلال شهر، وهذه الاجراءات كلها لم تكن تحصل. والاساس انه لا توجد ارقام وما كان يحصل هو افعال جرمية».
لا قوانين تثبت ذلك
ويلفت الى أن»الدولة لم تكن موافقة على هذا الدين والدليل هو غياب القوانين التي تشرع ذلك من خلال سندات الخزينة أو اليوروبونذ ولهذا ليست مسؤوليتها، وبالتالي هذا الطرح هو من مكونات خطة الظل للاستيلاء على اصولها. حتى لو انها وافقت على هذه الخسائر، فهذه الموافقة أتت من قبل اشخاص مشبوهين وارتكبوا جرائم».
يعتبر الدبس أن تطبيق «المادة 113 من قانون النقد والتسليف يجب ان تستند الى الانتظام والشفافية في عمل مصرف لبنان، وليس الى محاولات احتيالية من قبل الحاكم السابق للمركزي كما حصل على مدى عقود. فما قام به الحاكم السابق وما يكمل به الحاكم بالانابة وسيم منصوري وآخرون في مصرف المركزي، هو استعمال المادة 113 لوضع المسؤولية على الدولة والزامها بدفع الخسائر لحماية المصارف، ونحن نعرف ان المصرفيين والمسؤولين في المركزي والطبقة السياسية هم المسؤولون عما وصلنا اليه من خسائر»، مشيراً الى أن « المركزي لم يعلن عن أرقام واضحة، لأن التدقيق الجنائي الذي تم اجراؤه اكد ان شركة الفاريز اند مارسال لم تحصل على كل الارقام المطلوبة للقيام بمهمتها، وهذا يعني أن سعي مصرف لبنان بتحميل الدولة لهذه الخسائر، هو اكمال للأساليب الملتوية التي بدأت بها المنظومة، فكيف يمكن أن تكون هذه الخسائر صحيحة طالما كل وسائل التحقق تم اخفاؤها؟».
مقاضاة سلامة ومنصوري
في المقابل يؤكد دبس أنه «يمكن للدولة اللبنانية مقاضاة سلامة ومن أتى بعده من المسؤولين على اخفاء هذه الخسائر، ومنهم منصوري وفريق عمله الذي يكمل أخطر ما قام به سلفه وهو وضع المسؤولية والخسائر على الدولة لحماية المصرفيين والمصارف»، مشدداً على أنه «يمكن مقاضاة سلامة ليس فقط بسبب اخفائه الخسائر لفترات طويلة بحساب ما يسمى «موجودات أخرى»، بل أيضا على اضافة 16 ملياراً بطريقة ملتوية جداً، وعلى اخفائه الخسائر وتراكمها والتضليل بالارقام وجرم الاحتيال واساءة الامانة والسرقة، كونه اكبر سلطة نقدية في البلد».
أصول الدولة للجميع وليست للمودعين فقط
ويختم: «لا يجب أن ننسى أن الدولة هي لكل الناس، وما يحاولون القيام به هو الاستيلاء على كل مقدراتها بطريقة أو بأخرى،علماً انها لجميع اللبنانيين سواء أكانوا مودعين أم لا، وعليها حفظ حقوق الكل. وكل الألاعيب التي تحصل هي للاستيلاء على اصولها بعدما اوصلوها الى الدرك الاسفل من الانهيار، واستولوا على كل أسس الامان الاجتماعي والحماية للناس أي الضمان الاجتماعي والكهرباء والنقل والمساحات العامة».
المادة 117
يقدم حاكم مصرف لبنان لوزير المالية قبل 30 حزيران من كل سنة الميزانية وحساب الارباح والخسائر عن السنة المنتهية وتقريراً عن عمليات المصرف خلالها. ينشر التقرير والميزانية في الجريدة الرسمية خلال الشهر الذي يلي تقديمها لوزير المالية. وينشر بيان وضع موجز كل 15 يوماً.