الدواء في مرحلته الرابعة: ترشيد الدعم يطال أدوية الأمراض المستعصية

لم يعد الترف ممكناً في التعامل مع ملف الأدوية التي لا تزال خاضعة لآلية الدعم، فأقصى الممكن اليوم هو تأمين المبالغ المطلوبة لتسيير معاملات الاستيراد المتوقفة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهرٍ مع توقف المصرف المركزي عن القيام بتلك المهمة.

اليوم، لا أدوية في السوق. ولئن كان ذلك لم يعد حدثاً استثنائياً، إلا أنه ليس بالحدث السهل مع تمدّد الأزمة التي لم تعد توفر المرضى المصابين بأمراضٍ سرطانية ومستعصية، حيث باتت فرص نجاة هؤلاء رهناً بمبلغ الدعم المقدّر بخمسة وعشرين مليون دولار.

وبما أنْ لا حلول جذرية تعفي من تلك السيناريوهات، تعمد وزارة الصحة العامة في الفترة الراهنة إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تسمح لها بتأمين الأدوية على «قدّ البساط» المسموح لها به. ولعلّ من بين تلك الإجراءات التي بدأتها الأخيرة العمل على نقل آلية الاستيراد من مصرف لبنان إلى الحكومة، حيث أعلن وزير الصحة العامة، فراس أبيض، في لقاء مع الإعلاميين أمس دخول هذه «النقلة» حيّز التنفيذ والتي تُرجمت بموافقة الحكومة على رصد 35 مليون دولار «عن شهر نيسان لتسريع استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية».

وليس بعيداً عن هذا الإجراء، تستكمل الوزارة خطواتها التي كانت قد بدأتها في إطار سياسة ترشيد الدعم والتخفّف من دورة الاستيراد، مع إعلان الوزير أبيض دخول المرحلة الرابعة من الترشيد من باب الأمراض السرطانية والمستعصية.

وفي هذا السياق، لفت أبيض إلى أنّ الوزارة في صدد تخفيف الدعم على الأدوية التي تأتي في معظمها ضمن الشريحة الأرخص ثمناً (وهي غالباً الشريحتان A1 وA2) من خلال العمل على دعم البدائل المحلية ومن ثم الأدوية البديلة المستوردة الأقل ثمناً من الأدوية الأصلية (BRAND) والتي تحمل الفعالية نفسها، من دون أن يلغي ذلك إبقاء الباب مفتوحاً على الأدوية الباهظة الثمن «التي ستبقى بمتناول من يدفع». وبحسب أبيض من المفترض أن تصدر لوائح هذه الأدوية، التي تمّ العمل عليها مع الجمعيات العلمية والأطباء والصيادلة، مع مؤشر سعر الدواء الذي من المفترض أن يصدر «قريباً جداً» على ما يحسم وزير الصحة.

ولا تتوقف حزمة الإجراءات عند هذا الأمر، إذ من المفترض أن تلحق هذه الأخيرة أيضاً إجراء آخر يقضي أيضاً بترشيد الدعم على لقاحات الأطفال، حيث من المفترض أن يرفع الدعم عن اللقاحات الـ«new generation»، أي تلك المتطورة لناحية أنّها لا تسبّب إزعاجاً للطفل، مثل الحكة أو التورم مكان حقن الإبرة…». وفي هذا السياق، أعلن أبيض توسيع مروحة توزيع لقاحات الأطفال المجانية، فعدا عما توفّره الوزارة في مراكز الرعاية الصحية الأوّلية التابعة لها، وقعت مؤخراً وثيقة تعاون مع المستشفيات الجامعية وكذلك مجموعة من الأطباء تقضي بتوفير الوزارة اللقاحات ضمنها، على أن تعطى الأخيرة للمريض مجاناً. وتشمل لائحة اللقاحات «كلّ ما هو ضمن روزنامة منظمة الصحة العالمية». أما ما عدا تلك الروزنامة، فقد بات خارج حسابات الدعم.

إلى ذلك، أعلن أبيض أيضاً رفع الدعم عن الأدوية التي تستخدم في المستشفيات (إبر المستشفيات). ويأتي هذا القرار معطوفاً على سببين أساسيين، أولهما وجود بدائل محلية لها وثانيهما أن هذه الأدوية رخيصة الثمن في معظمها «ولم يعد بعض التجار يستوردونها بسبب كلفة شحنها العالية»، على ما يقول أبيض.

لكن، برغم كل تلك الإجراءات، يبقى السؤال المشروع اليوم: هل ستكون الصناعة المحلية قادرة على سدّ الفراغ الذي يخلّفه النقص في الاستيراد؟ وهل سيكون ردّ الفعل على رفع الدعم استعادة السيرة الأولى، خصوصاً أنّ معظم تجار الأزمات الذين يستبقون قرارات الترشيد بتخزين الأدوية لبيعها بالسعر الجديد؟

سؤالان يتكرّران مع كلّ خطوة تقوم بها الوزارة، ولا يبدو أنّ الأخيرة تملك ما يكفي من الإجابات. وهو ما يعترف به وزير الصحة العامة اليوم، لا سيّما أنّ التعويل «على الأخلاق» بات ساقطاً. مع ذلك، يبشّر الوزير في هذا السياق بقرب المرحلة الخامسة التي من المفترض أن تحسم كلّ تلك المسائل، وهي مرحلة تتبّع الدواء من بلد المنشأ إلى المريض.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةقروض الطاقة تحرّر من المولدات
المقالة القادمةالمحروقات “تلهب” انهيار القطاعات… وبيعها بالدولار حتمي بعد الانتخابات