يتساءل مواطنون كثر عن التحولات التي ستطرأ على الأسعار بعد رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألفًا. أصحاب المؤسسات والمحال التجارية يترقبون كل خميس نشر قانون الموازنة العامة لعام 2022 في الجريدة الرسمية ومعه الدولار الجمركي الجديد لرفع الأسعار. ورغم تعليل مسألة رفع الدولار الجمركي عشرة أضعاف باستيفاء الدولة لإيرادات بأمس الحاجة إليها، ثمّة من يُحذّر من تداعيات هذا القرار على المواطن والدولة معًا. يقول أصحاب الاختصاص إن رفع الدولار الجمركي بنسبة تفوق قدرة المواطن على التحمل قد تدفع إلى التهرب الجمركي والضريبي وتعزيز السوق السوداء لتتراجع واردات الدولة بدل أن تزداد. تمامًا كما يحذّر هؤلاء من أنّ رفع الأسعار سيكون بنسبة تتراوح بين 5 إلى 40 بالمئة ما يعني تراجع القدرة الشرائية ومعها الاستيراد ما سينعكس حُكمًا على الاقتصاد ككل.
أسعار السلع سترتفع بنسبة 5 إلى 40 بالمئة
عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال يلفت في حديث لموقع “العهد” الإخباري إلى أنّ جزءًا كبيرًا من الاستهلاك يفوق الـ80 بالمئة مستورد. الرسوم على هذا الاستيراد ليست موحدة وتتفاوت. منها ما هو خاضع لرسم 5 بالمئة ومنها 10، 20 وصولًا حتى الـ40 بالمئة. كما أنّ لبنان يرتبط باتفاقيات كاتفاقية “التيسير” مع الدول العربية، والتي تنص على أنّ كل البضائع المستوردة من الدول العربية معفاة من الجمارك، ولكن يتم دفع الضريبة على القيمة المضافة عليها(TVA) فضلًا عن دفع أكلاف أخرى. الأمر ذاته يسري على الاستيراد من الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية معه. أما السلع المستوردة من الدول الأخرى فيُدفع “جمرك” عليها يتفاوت حسب نوع السلعة ورسم كلفتها. الأمر الذي يجعل نسبة الارتفاع متفاوتة جدًا لكن الحد الوسطي لارتفاع السلع سيكون نحو 25 بالمئة، لأن ثمن السلع سيرتفع 5 أو 10 وصولًا حتى الـ40 بالمئة. وفق تقديراته فإنّ الرسم الجمركي والضريبة والأمور الأخرى زادت 10 أضعاف.
ويوضح رمال أنّ السلع نوعان، سلع معمّرة وسلع استهلاكية كالمواد الغذائية والثياب والأحذية وغيره. وهنا يلفت رمال الى أنّ ثمة مواد غذائية معفاة من الجمارك، لكنَّ مستورديها يدفعون رسم جمارك مقطوع (3 بالمئة) يضاف إليه الـ(TVA)، ومواد غير معفاة يُدفع عليها جمارك و3 بالمئة و(TVA)، وكل ذلك بحسب تصنيف هذه السلع وما إذا كانت أساسية أم لا، وسط مطالبات بزيادة لائحة الأصناف المعفاة، كالمعلبات التي تخضع لجمارك 35 بالمئة.
أسعار السلع “المعمّرة” سترتفع بشكل كبير
أما السلع المعمّرة كالسيارات والأدوات الكهربائية ومواد البناء المستوردة من الخارج كـ”البلاط” والأثاث، فسترتفع أسعارها بشكل كبير -وفق رمال- وقد تتجاوز نسبة الارتفاع على بعض السلع نسبة الـ25 بالمئة وتصل إلى الـ35 بالمئة. أسعار الهاتف على سبيل المثال سترتفع بشكل كبير. استيراد الهواتف خاضع للجمارك ولـ(TVA) حيث يتم ضرب ثمن السلعة بالليرة اللبنانية على 15 ألفًا، ومن ثم يتم ضرب الناتج بقيمة الجمارك، يضاف إليها كلفة الشحن على 15 ألفًا مع كلفة “أرضية” المرفأ والتأمين. كل ما سبق ستتم زيادته على قيمة الفاتورة على أساس الـ15 ألفًا. وهنا يشدّد رمال على أنّ قيمة الـ(TVA) ستكون كبيرة وقد تكون أكبر من قيمة الجمارك. الجمارك على بعض السلع قد تكون 5 بالمئة بينما الـ(TVA) يُحتسب وفق الـ 11 بالمئة. وعليه، صحيح أن السلع المستوردة من الدول العربية والاتحاد الاوربي معفاة من الجمارك ولكنها تخضع لقيمة (TVA) يُضاف إلى أن السلع التي كانت معفاة من الجمارك خاضعة الآن لرسم مقطوعة 3 بالمئة. على سبيل المثال، سلعة ثمنها 1000 دولار كان يُدفع عليها ضريبة (TVA) بقيمة 150 ألفًا بينما اليوم يجري دفع مليون و650 ألفًا ما يعني أنّ النسبة زادت 10 أضعاف.
مخاوف من التهرب
وفي سياق هذا الواقع، يُبدي رمال خشيته من أن يؤدي رفع الدولار الجمركي إلى زيادة التهريب. برأيه، فإن التجربة تقول، إنه كلما رفعنا الرسوم سواء كانت جمركية أو غيرها يزداد التهرب. لدى لبنان تجربة مع الرسوم العقارية التي تراجعت واردتها آخر 5 سنوات بشكل كبير بسبب ارتفاع الرسوم، ما حدا بالمواطنين إلى الامتناع عن تسجيل عقاراتهم، فكثيرون كانوا يشترون الأراضي والشقق عبر عقد بيع ممسوح أو وكالة. وفق رمال، لم يتمكن المعنيون في لبنان من ضبط هذه الحالة، لأنه عندما ترتفع قيمة التسجيل يفضّل المواطن عدم الدفع نظرًا للأولويات والالتزامات الموجودة لديه. أما عندما انهارت قيمة العملة الوطنية وباتت قيمة الرسوم العقارية والجمارك مقبولة وضمن قدرة المواطن على التسجيل، وجدنا تسجيلات عقارية غير مسبوقة في تاريخ لبنان. بمعنى كلما كانت الرسوم الضرائبية مقبولة كلما التزم المواطن بها ولكن عندما ترتفع وتصبح خارج قدرته يمتنع عن الدفع. وعليه، كلما جرى تضخيم الضرائب كلما خسرت الدولة واردات من الضرائب، ودفعت المجتمع لعدم القيام بواجباته.
وفي سياق حديثه، يرى رمال أنّ المسألة ليست فقط وضع دولار جمركي على الدفتر، بل التمكن من حصد الأرقام المرصودة. وهنا يشدّد رمال على أنّ من حق الدولة تحصيل الضرائب للإنفاق على المرفق العام وتقديم الخدمات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود، ولكن ضمن قدرة المواطن، فكلما كانت الضرائب مقبولة يدفع المواطن ولا يتهرب. برأيه، يجب أن تكون الضرائب ضمن قدرة الدخل للشعب اللبناني الذي يتقاضى 80 بالمئة منه رواتبهم بالليرة اللبنانية. بحسب رمال، فإنّ نسبة ارتفاع الدولار الجمركي عالية وسترهق المواطن الذي سيجد صعوبة في الالتزام بها، لأن الالتزام سيكون على حساب عائلته ولقمة عيشه، خاصة أن الدولة لم تؤمن له شيئًا لا كهرباء ولا ماء ولا طبابة.
وفق تقديرات رمال، ليكون الدولار الجمركي أكثر عدلًا، يجب أن يكون وفق الـ8000 ليرة لأن المودع يتقاضى دولاراته وفق الـ 8000، ورواتب القطاع العام جرى زيادتها 3 مرات وتتماشى مع هذا الارتفاع، كما أن رواتب القطاع الخاص زادت ضمن هذا المستوى وما دون. وعليه، فإنّ الزيادة يجب أن تكون ضمن قدرة الاقتصاد على استيعابها كي لا نذهب إلى تضخم كبير وكي لا يلجأ التاجر إلى التهريب. تجاربنا تقول إنه عندما تكون كلفة الجمارك أقل من التهريب تنتظم الأمور، ولكن عندما يرى التاجر أن كلفة التهريب أقل قد يلجأ للتهريب عبر المنافذ البرية والبحرية.
بالنتيجة، يرى رمال أنّ حسابات الدولة في الحقل لن تطابق حساباتها في البيدر، بمعنى أنّ هذا الخيار سيُخسر الدولة ولن يربحها، فالاقتصاد لن يستوعبه، وسنشهد تضخمًا في الاقتصاد وانعدامًا في قدرة المواطن الشرائية، لينخفض بعدها الاستهلاك ويتراجع الاستيراد. كان الدولار الجمركي يُؤمن للخزينة قبل الأزمة واردات بقيمة 4 آلاف مليار ليرة سنويًا -يقول رمال- أما اليوم وفي ظل رفع الدولار الجمركي فسيزداد التهرب الضريبي والجمركي.
حلول وبدائل
ويشدّد رمال على أنّ ثمة خيارات كثيرة بإمكان الدولة أن تجني بموجبها إيرادات بدل رفع الدولار الجمركي إلى هذا الحد. برأيه، من الممكن رفع الدولار الجمركي إلى الـ 8 آلاف ليرة، فضلًا عن الاستفادة من مرافق عامة كثيرة مهدور الاستثمار فيها. بحسب رمال، أي مرفق هو شركة تنتج وتدخل مليارات الدولارات إلى الخزينة، لكن يا لَلأسف، فالمرافق مهملة ويديرها أشخاص غير كفوئين. يعطي مثالًا، أحد المرافق كان يجبي قبل الأزمة مبلغًا سنويًّا يتراوح بين 200 و 300 مليون دولار، ولكن كان يتم إنفاق الجزء الأكبر من هذا المبلغ قبل تحويل المداخيل إلى الخزينة، ما يحتّم ضرورة أن يكون هناك أشخاص يديرون المرفق العام بعقلية الشركة الخاصة.