الدولار الجمركي والتهريب المُشرّع

تساؤلات كثيرة في شأن تطبيق الدولار الجمركي رسمياً، ونقاط استفهام كبيرة، حول تنفيذ بنود الموازنة، في ظلّ انعدام الإدارة، وتدهور الدولة، ومتابعة الإنزلاق في أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ العالم.

نذكّر مرّة أخرى، أنّ لبنان، هو البلد الوحيد الذي خلق بيديه متعمّداً أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ العالم، وتابع مخططه التخريبي ليس فقط بإنتاج هذه الكارثة، لا بل بإدارتها على نحو أسوأ وعشوائية تامة.

في موضوع تطبيق قرار الدولار الجمركي على تسعيرة 15 ألف ليرة، لا يزال أيضاً يُطبّق بفوضى هائلة، ويُطبّق a la carte حسب الشخص والمؤسسة والغطاء، والتبادل تحت الطاولة.

الواضح، أنّ الدولار الجمركي لم يُطبّق رسمياً وبطريقة مباشرة حتى اليوم وفق تسعيرة الـ 15 الفاً، وهذا يتعلق بالشأن البسيكولوجي للبنانيين، لأنّه يُطبّق بطرق غير مباشرة بأضعاف تزيد عن الـ 15 الفاً الموعودة.

حتى الآن تدخل السلع والبضائع إلى لبنان، وتُسعّر الضريبة الجمركية حسب سعر الـ 1500 ليرة للدولار الواحد. هذا يعني أنّ الدولة تتعرّض للطعن والسرقة يومياً، على أكثرية البضائع المستوردة. بمعنى آخر، إنّ الدولة شرّعت التهريب رسمياً، والمهرّبون لا يحتاجون إلى الاختباء، أو تسلّل بضائعهم التي تدخل شرعياً ويدفعون مبالغ بخسة كضريبة تُحسب على الـ 1500 ليرة، بينما سعر السوق السوداء يُحلّق فوق الـ 40 الفاً.

حيتان المال دائماً جاهزون ويعملون ليلاً نهاراً لاستيراد «الستوكات» بكميات هائلة من كل أصناف السلع والمواد المطلوبة والأولية، لتخبئتها، بانتظار إرتفاع سعر الدولار الجمركي رسمياً، وبيعها من جديد بنحو 10 أضعاف أكثر، فيدفعون الضريبة على سعر الـ 1500، أما يدفعون الرشوة، بالكاش والفريش، فالمعادلة بسيطة، الدولة تخسر وتنهار، والمهرّبون والفاسدون يغتنون ساعة بعد ساعة.

في الموازاة، اللبناني الشريف يفتقر، والفاسد يغتني. الإقتصاد الأبيض ينهار والإقتصاد الأسود يتطور ويزدهر وينمو، في ظلّ غياب أي ضوابط ومراقبة وإدارة لهذه الأدغال والقرارات العشوائية، وغير المطبّقة.

هذه الإدارة، من دون إدارة مع مسؤولين من دون مسؤولية وحكام من دون محاكمة. إنّ الدولار الجمركي يُطبّق ليس حسب تسعيرة السلعة أو سعر الصرف لكن حسب الرشوة، والواسطة، والغطاء، والمعارف. فالضريبة الجمركية تتنوع من 1500 ليرة لسعر الصرف الرسمي، ويُمكن أن تصل إلى الـ 40 ألفاً سعر السوق السوداء. أما تطبيق سعر الـ 15 الفاً بحسب الدولار الجمركي، فعبارة عن كُرة نار بين أيادي السياسيين، لا أحد يريد أن يتحمّل مسؤوليتها لتطبيقها رسمياً، لكن الكل يتفق على طمر رأسه بالتراب، وتطبيقها بطريقة غير مباشرة وعشوائية حسب إرادة ورحمة المراقبين والمهرّبين.

وفيما نحفر في النفق الأسود، اللبنانيون رهينة المافيات والمهرّبين والفاسدين الذين يزداد عددهم يوماً بعد يوم. أما الدولة، فبدلاً من تشريع الإصلاحات، تُشرّع التهريب والإفلاس وتُشجع إنماء الإقتصاد الأسود.

في الخلاصة، لبنان أصبح بلداً من دون إدارة ومن دون إرادة، ومن دون مراقبة ومن دون مراقبين، إذ بات أدغالاً مع وحوش لا يُمكن السيطرة عليهم، واللبنانيون رهائن، تحت رحمة الفساد والفاسدين، وقرارات عشوائية تُطبّق a la carte.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةسلّة تقديمات للعمال قبل نهاية العام
المقالة القادمةصندوق النقد: التوقعات الاقتصادية العالمية “أكثر كآبة” مما كان متوقعاً