الدولار الجمركي

موجات التطمين التي يتلقاها المواطن تحت عناوين «الخطط الإصلاحية» و«النهوض الاقتصادي» وغيرها، لا تلبث أن تتحوّل إلى صدمات متتالية بعد أن ثبُت للجميع أن تلك العناوين ما هي إلا مبرّرات لسحب ما تبقى لديه من أموال نجا بها من المصارف وأصبحت كما يقال بالعاميّة: الحيلة والفتيلة.

البِدعة الجديدة تمثلت في الإعلان عن النيّة في رفع الدولار الجمركي لتعزيز واردات الخزينة الخاوية، وتضاربت المعلومات حول المستوى الذي سيُحتسب على أساسه بدلاً من السعر الحالي أي 1500 ليرة لبنانية، فالبعض قال انه سيتراوح بين 12 و14 ألف ليرة لبنانية، فيما ذهب البعض الآخر إلى التكهّن باعتماد سعر منصة صيرفة تمهيداً لتوحيد سعر الصرف المتراقص. ومهما يكن من أمر فان هذه الخطوة ستكون بمثابة إعصار جديد سيضرِب الاقتصاد اللبناني، ويهدّد الاستقرار الاجتماعي للمواطن والمجتمع اللبناني بأسره.

إنها مغامرة بكل معنى الكلمة، لأنها ستؤتي نتائج عكسية على اقتصادنا المتهاوي والذي يعتمد على إستيراد معظم السلع الإستهلاكية والمواد الأولية للصناعات الوطنية على قلّتها. فالكل يعلم كيف يتشاطر التجار على الجمارك باعتماد فاتورتين عند الإستيراد من الخارج واحدة لقيوده المالية وأخرى مخفَّضة لتسديد الرسم الجمركي على أساسها، ولا شك أن هؤلاء سيبتكرون طرقًا جديدة للتملّص من تسديد الرسوم التي ستتضاعف أكثر من عشر مرات.

لم يعد خافياً على أحد أن معالجة النفقات المرتفعة من خلال زيادة الواردات قد تمّت تجربتها سابقًا وأثبتت فشلها في موازنات 2017 و2019، حيث أخفقت الحكومات في مداواة العجز عن طريق رفع الرسوم والضرائب، وتبيّن أن زيادة الضرائب أدّت إلى انخفاض المداخيل الضريبية وازدهار التهريب والمزيد من التراجع الاقتصادي وهجرة الاستثمارات الأجنبية. ورغم ذلك يصرّ المسؤولون على رفع الدولار الجمركي متجاهلين ما سينجم عنه من ارتفاع كبير في الأسعار يخنق المواطن ويسبّب تضخّماً كبيراً يطال القدرة الشرائية لأكثر من 70 في المئة من الشعب اللبناني، وستزداد أعداد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

المطلوب اليوم تصحيح المسار عن طريق تخفيض الجمارك إلى أدنى الحدود الممكنة، وإلغاء جميع الاستثناءات، بُغية تحفيز الأعمال والحركة الاقتصادية، ومحاصرة الأزمة القاتلة بتخفيف الضرائب وتوحيدها لتحفيز المواطنين على تسديدها والإقلاع عن التهرّب، وبذلك تزداد واردات الخزينة وينتعش الاقتصاد ويعود المواطن إلى التقاط أنفاسه.

مصدراللواء - د. نعمة جعجع
المادة السابقةصندوق النقد الدولي: روسيا قد تتخلف عن سداد ديونها بسبب العقوبات ولا نرى أي تهديد بحدوث أزمة مالية عالمية
المقالة القادمة“صفقةٌ مشبوهة” تُطبخ في كواليس وزارة الإقتصاد