الدولار لن يحلّق بسبب رفع سعر السحب

ما جرى في قانون الكابيتال كونترول، يقود الى استنتاج اولي مفاده انّ السلطة، بشقيها التنفيذي والتشريعي، أصبحت عاجزة عن اتخاذ اي إجراء ناجع في ملف تهيئة الارض للوصول الى خطة انقاذية يموّل قسماً منها صندوق النقد الدولي. والكلام الذي قيل، ولا يزال، في مسألة الحرص على اموال المودعين، أشبه برسم كاريكاتوري سمج، غير مفهوم وغير مُضحك.

وهنا ينبغي طرح السؤال التالي: اذا كان التعاطي مع مصرف لبنان ينطلق من واقع انّ السلطة السياسية لا تثق برياض سلامة تحديداً، فمن باب الأولى التركيز على استبدال حاكم مصرف لبنان، لأنّه لا يجوز ان تذهب المؤسسة المستقلة المسؤولة عن السياسة النقدية بجريرة الانتقام من فرد، بصرف النظر عمّن يكون هذا الشخص. اما اذا كان اعتراض السلطة على دور مصرف لبنان وليس على حاكمه، فمن الضروري التعاطي مع هذا الموضوع بعقلانية، وبناءً على القانون وعلى تجارب الدول. ولعلّ تجربة الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان في التعاطي مع مصرف بلاده المركزي، تشكّل نموذجاً يفيد من يتناسى أهمية هذه المؤسسة ككيان مستقلّ في كل اقتصادات الدول. كذلك يمكن استقاء العِبَر من تجربة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب مع حاكم الفدرالي.

هذا الكلام يقود الى حقيقة مفادها، انّ السياسيين في غالبيتهم يتعاطون مع مأساة البلد وناسه بكيدية وتبسيط وولدنة. ولعلّ قضية تعديل سعر السحب من الودائع الدولارية من 3900 الى 8000 ليرة يشكّل نموذجاً لهذه العقلية المريضة. قبل التغيير، كان هناك من ينادي برفع سعر السحب وإنصاف المودعين، لا سيما الصغار منهم الذين يضطرون الى السحب من اموالهم للإنفاق اليومي. بعد التعديل، الاشخاص انفسهم شنّوا حملات انتقاد شعواء على رفع سعر السحب، ومن ضمنهم نواب مُمثلون عبر احزابهم في لجنة المال والموازنة، التي بُحّ صوت رئيسها وهو يطالب برفع سعر السحب!

هذا الكلام لا يستهدف الدفاع عن القرار، بل تسليط الضوء على العقلية التي يتعاطى فيها البعض مع كارثة بحجم الكارثة التي يعاني منها اللبنانيون في هذه المرحلة. وبالمناسبة، سعر صرف الدولار لن يحلّق كما يقول البعض، بسبب هذا القرار في الايام القليلة المقبلة. لكن مسيرة الارتفاع قائمة ومستمرة، مع تعديل سعر الصرف او من دونه.

وبالمناسبة، ماذا ستقول السلطة للمبعوث الفرنسي بيار دوكان الذي جاء الى بيروت ليستطلع اخبار الإصلاحات الموعودة؟ وماذا ستكون اجوبة السلطة عن الاسئلة التالية:

اولاً- ماذا فعلتم بالكهرباء، وهي ممر الزامي لكل الإصلاحات الاخرى؟ هل حسمتم موقفكم برفع التعرفة ووقف مزاريب الهدر في القطاع؟ ام انّ رفع التعرفة ليس شعبياً في هذه المرحلة الانتخابية، وتريدون التلطّي بالبنك الدولي لاتخاذ القرار؟

ثانياً- كيف تنوون إصلاح المالية العامة، وهي وفق التشخيصات الاقتصادية الداخلية والخارجية، أساس الأزمة، والسبب الرئيسي للوصول الى الانهيار والإفلاس؟ كيف ستقرّون موازنة خالية من العجز اذا كنتم عاجزين عن رفع الإيرادات، لأنكم لا تريدون إغضاب الناس قبل الانتخابات؟

ثالثاً- كيف ستحمون المودعين وتحفظون حقوقهم كما تدّعون، إذا كنتم تعيقون الوصول الى خطة للإنقاذ؟

رابعاً- كيف ستؤمّنون استمرار الحياة في البلد، اذا كانت الدولة مهدّدة بالوصول الى وقت تعجز فيه عن جمع النفايات وإصلاح الطرقات وإيصال المياه وإنجاز المعاملات؟

خامساً- الى متى تستطيعون ضمان الأمن في البلد، إذا كنتم عاجزين عن ضمان بدل نقل لرجال الأمن للوصول الى مراكز عملهم؟

 

 

مصدرالجمهورية - أنطوان فرح
المادة السابقةلا حسابات مجمّدة ولا فوائد بعد اليوم…
المقالة القادمةمجموعة السبع قلقة من سياسات الصين الاقتصادية “الإجبارية”