الدولار نحو 12 ألف ليرة

أعلنت الدولة اللبنانية الحرب على الصرّافين. اجتمع القضاء والأجهزة الأمنية لملاحقة وتعقّب الصرّافين ومنصّات الصرافة الإلكترونية بتهمة رفع سعر الدولار. السبب المباشر للاستنفار المفاجئ كان بلوغ سعر صرف الدولار الأميركي عشرة آلاف ليرة. أوعز أهل السياسة لأهل القضاء والأمن، عقب اجتماع أمني اقتصادي في بعبدا، لتتحرّك الوحدات الإلكترونية في الأمن العام وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة. استُدعي عدة أشحاص يملكون منصّات لتسعير الدولار ليُطلَب منهم إغلاق المنصّات والتوقيع على تعهّدٍ بعدم تشغيلها مجدداً. غير أنّ المنصّات الرئيسية لم يتم التوصّل إلى تحديد هوية مشغّليها. وخلُصت الأجهزة الأمنية إلى أنّ مشغّلي بعضها يستخدمون برامج تشفير لإخفاء المعلومات والبلد الذي تبثُّ منه. كما تبيّن أن بعضها يعمل من تركيا ومصر وسوريا والولايات المتحدة الأميركية.

ترافق ذلك مع حملة أمنية لتوقيف عدد من الصرّافين. كل هذا لم يؤدِّ إلى لجم سعر الدولار، إنما لجم الصرّافين أنفسهم. فقد عمد عشرات الصرّافين إلى مغادرة المجموعات الناشطة على تطبيق «واتسأب» في أعمال الصرافة عرضاً للدولار وطلباً. أما كلمة السرّ فكانت: «أطلب منكم الخروج من كل المجموعات وبسرعة، وذلك بطلب من السلطات المختصة ولكم الشكر». هذه العبارة كانت كفيلة بإقفال عشرات مجموعات الصرافة وتوقف الصرّافين عن العمل، إلا أنّ ذلك لم يثبّت سعر الليرة. مجدداً، في التوقيت نفسه الذي تهاوى فيه السعر قبل أسبوع، أي بعد ظهر يوم الجمعة، بدأ سعر الدولار بالارتفاع. وقد وصل هذه المرة إلى 11800 ليرة في بعض العمليات الصغيرة ليلاً.

وسط الأخذ والردّ، يُستذكر دور القضاء الذي يتحرّك وفقاً لإيقاع الشارع وضغط الإعلام. حتى إنّه يتّخذ قرارات يعلم مسبقاً أنّها لن تؤدي إلى شيء، لكنه يرى أنّه مضطرٌ إلى اتخاذها للإيحاء للرأي العام بأنّه حاضرُ ليقوم بواجبه.

مشكلة سعر صرف الدولار مركّبة، ولا يمكن حلّها بقرار أمني. سبق لدول عديدة (إيران وتركيا، مثلاً) أن حاولت لجم انهيار عملتها بالأمن والقضاء، لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً. فما يراه خبراء اقتصاديون ومصرفيون وعاملون في سوق الصرافة، أن القرار، بالدرجة الأولى، سياسيّ بمعنيَين: الأول أن ترك سعر الصرف حراً في السوق السوداء هو نتيجة لسياسة رسمية أعلنها المسؤول الأول عن «سلامة النقد الوطني»، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي حدّد أسعاراً متعددة للدولار، وترك السوق السوداء لما يسمّيه العرض والطلب. أما المعنى الثاني، فمربتط بالخلافات السياسية التي تحول دون تأليف حكومة، ودون وضع خطة واضحة للخروج من حالة الانهيار الشامل التي تخيّم على لبنان منذ صيف عام 2019. ومن دون قرار على المستوى السياسي، سيبقى سعر الدولار بلا سقف!

مصدرجريدة الأخبار - رضوان مرتضى
المادة السابقة“نقابة أصحاب المستشفيات”: فرض المصارف عمولة 5% شهرياً من قيمة أجور الموظفين أشبه بالخوة
المقالة القادمةالدكاكين الجامعية تنتصر في معركة إصلاح التعليم العالي؟