لا تنحصر مصيبة هذا البلد في أزمته الخانقة فقط، بل في العقلية التي تأبى إلّا أن تتسّبب بين فترة واخرى بمشكل يشدّ على خناق البلد ويعمّق الانقسام السياسي أكثر فأكثر. فيما الواقع السياسي مستغرق في حال من الخواء، حتى النشاط الرسمي يكاد يصبح أقل من خجول. والمبادرات العلاجية منعدمة في أي مجال، في وقت تتسع دائرة التداعيات وتزيد أثقالها وتنذر بما هو أسوأ، وسط مخاوف جدّية عبّر عنها مسؤولون كبار، مما سمّوها فوضى مالية ونقدية وحياتية، وها هي النذر بدأت تطل، مع فلتان مرعب للدولار، حيث قفز بالأمس اكثر من 3 آلاف ليرة دفعة واحدة.
إهتزت الأسواق المالية أمس، وساد نوع من الهلع نتيجة الأخبار المتداولة في شأن إلغاء منصّة “صيرفة”، بما يعني عودة الفوضى الى سوق الصرف، وارتفاع الدولار مجدداً، بعد فترة من الاستقرار أمّنها تدخّل مصرف لبنان في السوق لتأمين الدولارات لمن يطلبها على سعر “صيرفة” الذي استقر على حوالى 20 الف ليرة.
وما عزّز المخاوف الشعبية، انّ بعض المصارف لم تتمكّن من تلبية طلبات الزبائن من الدولارات. فيما أعطى السوق الموازي إشارات سلبية توحي بازدياد الضغط على الليرة. إذ ارتفع سعر الدولار الى 22 الفاً و500 ليرة، بما يعني انّه تجاوز سعر “صيرفة” بحوالى 10%، وهي المرة الاولى التي يرتفع فيها بهذه النسبة، بعدما كان اصبح موازياً تقريباً لسعر المنصة.
ورغم انّ مصرف لبنان أصدر بياناً لطمأنة الاسواق، مؤكّداً انّه مستمر في تلبية السوق بالدولارات التي يحتاجها، الّا انّ علامات الاستفهام بقيت قائمة، خصوصاً انّ ازدياد الطلب على الدولار سيحتّم على المركزي ضخ المزيد من العملة الخضراء لتلبية السوق. فهل هو مستعد لهذا الوضع؟ ومن يغطيه؟ والى متى يستطيع الاستمرار به؟