الدولة المفلسة والعاجزة لمواطنيها: هاجروا.. وأرسلوا دولاراتكم!

“نيال مين عندو مرقد عنزة برات لبنان “، هو الشعار الجديد للبنانيين، فبعد ان كان لبنان وطن ​الأرز​ والجمال والحرية والحياة، صار بلدنا وطن الموت و​الجوع​ و​الفقر​ و​العبودية​.

الارقام مخيفة: 870 الف طلب هجرة (أو تاشيرة سفر عادية ) مسجلة في السفارات. 130 الف منها في سفارة واحدة، ولم تعد دول الهجرة مثل ​كندا​ و​استراليا​ و​اميركا​ هي الوجهة الحصرية ، فالمعادلة الجديدة هي: ان اي بلد هو افضل من لبنان اليوم.

في ايلول 2019 انتهى زمن الكذب اقتصاديا، عندما بدأ الدولار يتحرر من سجن الـ1500 ليرة.سقطت الاوهام كلها دفعة واحدة: البلد منهار منذ سنوات. في غياب قيادة بديلة للمنظومة الحاكمة، وفي ظل امعان الاخيرة في سلوكياتها، فهي اما متآمرة واما عاجزة .

الاحباط أدى مباشرة الى التفكير بالهجرة، ولكنه ظل محصورا بفئات معينة، يمكن تصنيفها من النخب. نخب كانت تحلم بالتغيير، فلما فشلت اعلنت يأسها واستسلامها، اذ وجدت ان معسكر الازلام والمحاسيب والاتباع والبلطجية أقوى من نبض الناس. لم تمض شهور قليلة حتى وقع انفجار المرفأ الذي فجر معه ما بقي من آمال بال​اصلاح​ والبناء مجددا، اذ عندما تتصدى القوى المتسلطة على البلد بفجور لا مثيل له، لاي محاولة للتحقيق الجدي وتحديد المسؤوليات، وعندما يتبين أن دولة باكملها مسؤولة عن هذه الكارثة، وان لا شيء يضمن عدم تكرار هذه المأساة في مكان آخر، وفي اي وقت .. فان الاسلم هو الهرب الى ​الامان​.. بعيدا عن لبنان.

بعد عام على بدء ظهور الازمة، اي في ايلول 2020، صار أكيدا اننا دخلنا في مرحلة السقوط الحر، فلم تفلح الاجراءات الترقيعية ل​مصرف لبنان​ في لجم التدهور المالي. لم تعد الهجرة رغبة النخب الباحثة عن حياة مترفة أو مرتاحة، وانما صارت هاجسا عن الجميع من دون استثناء، وحتى الذي لا ينوون السفر حاليا ، فانهم يفكرون بهذا الامر كخيار ثان قائم.

في الاشهر الماضية، وبعد انفجار 4 آب غادر عشرات الالاف خلال ايام قليلة، وهؤلاء كانوا من حملة جنسية ثانية. تلا ذلك هجرة كبيرة في صفوف الجسم الطبي والصحي نظرا لتزايد الطلب عليه في الخارج بسبب وباء كورونا ، وآخر الارقام تفيد ان اكثر من الفي ​طبيب​ غادروا ، ومثلهم من العاملين الصحيين. ولاحقا ، ومع تخفيض الدول لقيود الانتقال والسفر ، ومع اعادة فتح اقتصاداتها، بدأت تتوفر فرص هجرة اكبر للبنانيين،وخصوصا لليد العاملة المتعلمة والمدربة.

التداعيات الاقتصادية لهذه الهجرة المتزايدة اكبر بكثير مما يمكن ان نتوقع، فالفئة الشابة المتعلمة هي التي تهاجر بحثًا عن فرص عمل خارج لبنان، ولهذا النوع من الهجرة تأثيرا كارثيا على الاقتصاد اللبناني، لأنه يطال الفئة المنتجة التي تؤثر في عجلة الإنتاج، وعلى المدى المنظور قد تؤدي إلى تدهور مضاعف في الخدمات الطبية والتعليمية والبناء والتكنولوجيا والصناعة والزراعة.. ومختلف القطاعات الأساسية.

في انتظار القادم من الايام السوداء ، يهاجر المزيد من اللبنانيين ، بحثا عن النجاة ، والسلطة غير مبالية بانتظار ضوء اخضر خارجي ما ، ولسان حالها يقول للناس : لا بأس هاجروا… وارسلوا دولاراتكم.

 

مصدرالنشرة - علي حمود
المادة السابقةلبنان.. الثالث عربياً والـ39 عالمياً من حيت عدد الإصابات بـ”كورونا”
المقالة القادمة“فشل” مناقصة الفيول الأولى: هل من اتفاق رضائي “في الجارور”؟