بوتيرة لم يتوقعها احد، انطلقت معركة محاربة الفساد فور نيل حكومة الرئيس سعد الحريري الثقة. ملفات عديدة تطرح يرافقها بلبلة كبيرة على مختلف الصعد اذ على ما يبدو تذهب هذه المعركة بإتجاه “التسييس” حيث يرى كل فريق في محاولة طرح ملف ما استهداف له ولدوره على الساحة اللبنانية.

فالمؤتمر الصحافي الذي عقده عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله وكشف خلاله عن معلومات مقلقة حول الحسابات المالية وهدر في المال العام يقدر بمليارات الدولارات، استدعى استنفار في صفوف تيار المستقبل الذي وجد في كلام فضل الله استهداف لنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
اما تعمّق لجنة المال والموازنة في ملف التوظيفات والذي يصطدم بمفاجآت غير سارة بحسب النائب ايلي عون، والذي وُجّه الاتهام في اطاره الى وزير التربية السابق مروان حمادة بالتوظيف العشوائي والغير قانوني، استدعى ردود مضادة، حيث اعتبر حمادة ان التيار الوطني الحر الذي ينتمي اليه رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان يحاول ذر الرماد في العيون لحرف الأنظار عن فضائحه الكهربائية. كما عقد “اللقاء الديمقراطي” جلسة خاصة لمناقشة أزمة الكهرباء اعلن عقبه الحرص الشديد على السير قدما في مسيرة الإنقاذ والإصلاح الجدي والفعلي انطلاقاً من ملف الكهرباء، ليوجّه رسالة مبطنه الى من يعنيهم الامر، مفادها “انا هنا”.
وفي حين كان يحاول وزير المالية علي حسن خليل ضبط موازنات هيئة اوجيرو، تصدى له وزير الاتصالات محمد شقير الذي اصدر بياناً فنّد فيه ما اعتبره “مغالطات” من حسن خليل، الذي بدوره دعا شقير الى عدم استعجال الرد، معناً عدم رغبته في الدخول في سجال يخص مسألة أصولها واضحة.
هذا عدا عن سيل من التصريحات والتغريدات لنواب حول موقفهم من مسألة محاربة الفساد وأدائهم في هذا الإطار.
انها اذاً ، ام المعارك، تستدعي من الاطراف السياسية السير في حقل الغام. فرد الاعتبار الغائب لدور مجلس النواب منذ سنوات طويلة لن يكون مهمة سهلة على الاطلاق، كما ان محاسبة وزراء ومسؤولين محميين من طوائفهم ستكون اشبه باللعب بالنار، ما يرسل اشارات تحذيرية ان الدولة  ستخرج مهزومة من معركتها هذه، وان لا مستقبل للبنان بين الدول الخالية من الفساد او الاقل فساداً في العالم.

معالجة صعبة واصلاح متعذّر

وفقاً، لمؤسسة جوستيسيا “لبنان لا يعاني من فساد تقليدي على مستوى تلقي الرشوات او على المستوى الاداري فحسب، انما يعاني ايضاً من فساد على المستوى السياسي ويسمى صرف نفوذ واستغلال للسلطة واختلاس للاموال العامة”. ولفتت المؤسسة الى ان “هذا الواقع يجعل المعالجة صعبة جداً والاصلاح متعذراً اذ يقتضي اعتماد آليات استثنائية تتجاوز قانون الاثراء غير المشروع الذي لم يعد يجاري مستوى وحجم الفساد السياسي في لبنان، لا سيما انه صدر في خمسينات القرن الماضي واعيد تعديله عام 1999 كي يحمّل المواطن الشاكي كفالة مصرفية على سبيل الضمانة قيمتها 25 مليون ليرة ضماناً لحسن نيته، ويغرّمه مبلغ يقارب الـ200 مليون ليرة لبنانية في حال كُفّت التعقبات. الامر الذي يكبّل المواطن لناحية مكافحة الفساد”. واشارت جوستيسيا الى وجود نقطة مضيئة تتمثل بالخطوة الايجابية التي قام بها مجلس النواب اللبناني عبر اصدار قانون “حماية كاشفي الفساد” الذين اصبحوا كالشهود لديهم برنامجاً خاصاً بالحماية في حال فضحوا الفساد والمفسدين”. ودعت المؤسسة المواطنين الى الاطلاع على هذا القانون عن كثب، كما طالبت المعنيين بالبدء بتفعيله وتطبيقه تزامناً مع ضرورة اصدار السلطة التنفيذية، اي الحكومة، المراسيم التطبيقية حيث ما يلزم لهذا القانون ولسواه من القوانين الايجابية التي سنّها المجلس النيابي مثال قانون الوصول الى المعلومات وقانون المعلومات الالكترونية. فضلاً عن ضرورة تعيين الحكومة وسيط الجمهورية، اي الشخص المكلف بتسهيل معاملات المواطنين امام الدولة كما في البلدان الديمقراطية”.

المطلوب ارادة سياسية عارمة

واكدت جوستيسيا ان “ثمة قوانين جيدة صادرة حديثاً واخرى بحاجة الى تعديل، فهناك ضرورة لقيام مؤسسات لمكافحة الفساد كالمجلس الاعلى لمحاسبة الرؤساء والوزراء المنصوص عليه في المادتين 70 و80 من الدستور، وهو عاجز عن القيام بمهامه اذ انه مكوّن من نواب وقضاة معاً، وهذا امر هجين، حيث ان الاتهام يجب ان يصدر عن ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب على الاقل، وهذا امر متعذر. وليس ما يمنع من تحرّك القضاء الجزائي شرط كف الضغوط السياسية عليه”. واشارت جوستيسيا الى ان “الخلل الذي شهده ملف التوظيف جراء عمليات قام بها وزراء سابقون بالآلاف رغم وجود نص قانوني مانع، يقتضي الرجوع الى التجربة الفرنسية التي كان اخذ بها المشترع الدستوري اللبناني عام 1959 والتي كانت تتمثل بقرار تشريعي فرنسي آنذاك، إنما تطور كثيراً مع قانون الشفافية في الحياة السياسية في فرنسا لعام 1988 وتعديلاته وصولاً الى القانون الفرنسي الذي صدر منذ نحو سنتين حول تعزيز الثقة بالحياة العامة في فرنسا”.
ورأت ان “المطلوب اذاً آليات استثنائية لجبه مستوى وحجم الفساد السياسي والاداري معاً، الامر الذي يحتاج الى ادوات غير تقليدية، والى ارادة سياسية عارمة غير موجودة لتاريخه. وايضاً يستدعي استقلال فعلي للقضاء الذي يحتاج الى قانون جديد لن يقوم السياسيون بسنه للأسف الشديد على النحو اللازم، ببساطة لان ليس لهم مصلحة في قيام قضاء مستقل وفاعل يحاسبهم. فكيف ننتظر من الفاسدين محاسبة أنفسهم بأنفسهم”.
وشددت مؤسسة جوستيسيا على ان “المطلوب ثورة قضائية على غرار الثورة القضائية الايطالية المسماة “حملة الايادي النظيفة”.

 

الكاتب: وعد ابوذياب

المادة السابقةملتقى الحوار الاقتصادي السوري يبحث النهوض بالقطاعين الزراعي والصناعي
المقالة القادمةحماده بعد جلسة البيئة: نعول على الوزير الجديد ويجب اعتماد مسار متكامل للنفايات