في الوقت الذي ينتظر فيه المودع ساعات للحصول على 50 دولاراً شهرياً، سددت الدولة خلسةً فوائد “سندين” بقيمة 71 مليون دولار استحقت للمصارف في 26 شباط، الأول بقيمة 24.8 مليون دولار والثاني بقيمة 46.5 مليوناً.
الأنظار تُحرف بدهاء، بانتظار المفاجأة التي سيحملها قرار الحكومة عشية 9 آذار حول الدفع او التخلف عن سداد “اليوروبوندز”، في وقت لا تتوانى الدولة عن تهريبة دفع مستحقات المصارف من الفوائد. هذا الموقف الملتبس الذي يحمل أكثر من علامة استفهام حول سرّ الرضوخ للمصارف، يدفع أيضاً إلى التساؤل عما إذا كان الدفع اليوم يُعتبر بمثابة مقدمة لدفع بقية المستحقات لهذا العام أم لا. وإذا كان الجواب (لا) فهو دليل على التناقض في السياسات المرسومة أولاً، ومؤشراً خطيراً على التفريق في التعامل بين الدائنين الداخليين أي المصارف، وبين حاملي السندات الأجانب الذين ستتفاقم المشاكل معهم في ظل رفضهم للاستنسابية في التعامل ثانياً. أما إذا كان (نعم) فهو سيؤدي عملياً إلى تسريع الإنهيار، وتفاقم حدة الأزمة وخطورتها بشكل دراماتيكي.
الدفع اليوم للمصارف يتناقض مع ما أشيع عن عزم الحكومة على إعادة جدولة الديون وتوفير ما تبقى من “دولار” من أجل تأمين حاجات المواطنين الأساسية. كما أنه يتنافى مع حقوق مليوني مودع تُحبس ودائعهم وراء قضبان “تنشيف” عجز الموازنات لكل الدولارات، ويحرمون من استخدام جنى عمرهم وتوفير متطلبات أبنائهم في الوطن والغربة. والأهم أنّ هذا الموقف يثير الريبة إزاء كيفية تعاطي الحكومة مع بقية الإستحقاقات في المستقبل القريب سواءً كانت تسديداً لقيمة السندات أو دفعاً للفوائد، وإذا كانت القرارات بالدفع اليوم وغداً معلّبة سلفاً واتخذت عن سابق إصرار وتصميم على حساب المودعين وحقوق المواطنين؟
يبقى السؤال، على أي أساس تمت عملية الدفع وعلى أي أساس ستمتنع الدولة عن الدفع؟ أسئلة كثيرة تضع مصداقية الحكومة وقدرتها على بلورة الحلول على محك الجوع الذي ينتظر اللبنانيين في الغد القريب نتيجة فقدان الرؤية والتخبط في اتخاذ القرارات الصحيحة.