«مهمتك وليست مهمتنا» هكذا يمكن اختزال مضمون «التوضيح» الذي توجّه به ديوان المحاسبة لوزير الاتصالات جوني القرم، بعد طلب الأخير من الديوان إفادته بالعناصر اللازمة لدراسة الجدوى الاقتصادية المطلوبة، قبل إعادة إطلاق مزايدة البريد الرابعة، مقابل رصد الديوان في طلب الوزير مخالفتين جوهريتين: الأولى لقانون الشراء العام، والثانية للدستور اللبناني.
فقد ذكّرت مذكرة صدرت بتاريخ 16 كانون الجاري عن الغرفة الناظرة بالملف برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر، أنّ ديوان المحاسبة «محكمة إدارية تتولّى القضاء المالي، مهمتها السهر على الأموال العمومية، والأموال المودعة في الخزينة، وفقاً للتعريف الوارد في المادة الأولى من قانون تنظيم الديوان». بينما «إجراءات الشراء والتعاقد هي مهمة السلطة المتعاقِدة».
وعليه أعاد الديوان القرم، في ردّه على طلبه، إلى مضمون المادة 102 من قانون الشراء العام، ولفت انتباهه إلى ضرورة تطبيق أحكامها، ولا سيّما في ما يتعلق بالفقرات 2 و 5 و6 التي حمّلت الجهة المتعاقدة بكل وضوح مسؤولية ما يلي:
– وضع الآليات لدراسة وتقييم وتحديد حاجاتها الشرائية.
– وضع آليات واضحة لإعداد دراسات السوق.
– إعداد ملفات التلزيم وجعلها متاحة.
بالمقابل أوضحت مذكرة الديوان للقرم «أنه لا يعود للديوان تحديد التفاصيل ذات الطابع التنفيذي، ومنها الدراسات التي تعود حصراً للإدارة، وذلك عملاً بمبدأ فصل السلطات الوارد في الفقرة «ه» من مقدمة الدستور، معطوفة على أحكام المادة 66 من الدستور التي أولت الوزراء صلاحية إدارة مصالح الدولة، وتطبيق الأنظمة والقوانين، كل في ما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به».
وكان القرم وفقاً لما كشفته «نداء الوطن» في مقال سابق قد توجّه بكتاب إلى ديوان المحاسبة بتاريخ 29 كانون الأول الماضي، وضمّنه طلباً من الديوان بـ»تحديد المكونات الأساسية التي يجب أن تتضمّنها دراسة الجدوى الاقتصادية».
إستند القرم في هذا الطلب إلى التقريرين اللذين صدرا عن ديوان المحاسبة في شهري آب وتشرين الأول من العام الماضي، حيث رفض الديوان في الأول منهما نتيجة جلسة التلزيم الثالثة لقطاع البريد، وأكد في الثاني هذا الرفض. وقد تبيّن وفقاً لتقريري الديوان المذكورين، أن استباق عملية التلزيم بدراسة للسوق، شكّل واحداً من الأسباب الجوهرية التي بنى عليها الديوان رفض نتيجة التلزيم، خالصاً في توصياته، إلى إلزامية وضع دراسة تحليلية للمشاريع والصفقات المنوي تلزيمها.
وبينما سجّل الوزير القرم اعتراضه «غير الرسمي» تكراراً على هذا الأمر، وشدّد في أحاديث صحافية على أنّ هذه الدراسة كانت منجزة في عملية التلزيم السابقة، وأنّ الوزارة أجرتها من دون أن تكبّد المال العام أعباء نفقاتها، فهو في المقابل لم يبرز هذه الدراسة في أي من الجلسات والاجتماعات التي عقدها مع هيئة الشراء العام أو ديوان المحاسبة، قبل أن يصدر الأخير قراره بعدم قبول نتيجة جلسة التلزيم الثالثة. وهذا ما يضع القرم وفقاً لمصادر مواكبة للملف، أمام مسؤوليته في إطلاق هذه الدراسة للسوق، تمهيداً لوضع دفتر شروط المزايدة الرابعة، ومن دون أي مماطلة، بعدما تخطّى الوقت الضائع منذ صدور قرار مجلس الوزراء بإعادة إطلاق المزايدة لقطاع البريد، الشهرين حتى الآن.
يذكر أنّ القرم توجّه إلى ديوان المحاسبة بكتاب ثانٍ، يطلب من خلاله استشارته في تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية مع «ليبان بوست» بحسب توجيهات مجلس الوزراء، ويعرب فيه عن اعتقاده بأن تعديل الأسعار لا يحقّق التوصيات السبع التي أوصى بها الديوان في قراره الصادر سنة 2021 تحت الرقم 21. الأمر الذي يفترض أن يجيب عنه ديوان المحاسبة في مذكرة ثانية منتظر صدورها خلال الأيام المقبلة.