الذكاء الاصطناعي يذكي حرب الهيمنة على سوق محركات البحث

وجد عملاق وادي السيليكون غوغل نفسه فجأة يكافح للرد على تهديد محتمل لإمبراطورية الإنترنت الخاصة به، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، الذي تنشره وتتبناه منافسته مايكروسوفت منذ فترة طويلة.

وأدى ظهور أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على توليد إجابات مباشرة بقيادة تشات جي.بي.تي الذي أنشأته شركة أوبن أي.آي الأميركية العام الماضي إلى إطلاق شرارة حرب بدأت للتو على ما يبدو منذ أن تصدت غوغل لتحدي مايكروسوفت بينغ منذ أكثر من عقد.

وتراهن الشركة المصنعة لنظام التشغيل ويندوز على مستقبلها بالذكاء الاصطناعي من خلال استثمارات بمليارات من الدولارات بينما ترفع راية التحدي لشركة غوغل، والتي تفوقت على منافستها لسنوات في تكنولوجيا البحث والتصفح عبر الإنترنت.

وفعليا، يشهد قطاع التكنولوجيا سباقا محموما بين أشهر الشركات في هذا المجال في مقدمتها غوغل ومايكروسوفت الأميركيتان لتنضم إليهما بايدو الصينية على إنتاج روبوت المحادثة الخاص بها، وهو برنامج قادر على خوض محادثة شبيهة بالحوار بين البشر.

وتدرك شركات التكنولوجيا مدى قدرة تقنية الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل الأعمال وترتيب خارطة المستخدمين، لكن أمامها تحدي إثبات جدوى خططها واقعيا وعدم الدخول في مخاطرة قد تجعلها تفقد قوتها في هذه الصناعة.

وبغض النظر عن إمكانية ارتفاع قيمة هذه الشركات، وتوسع حجم السوق مما يتيح المزيد من الإيرادات والأرباح في حال تم استخدام هذه التقنية بعدما ثبت نجاحها حقا، لكن من الممكن أن تؤدي محركات البحث التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى فقدان الوظائف.

وبدأت بعض القطاعات كالطب في استكشاف توظيف التقنية الجديدة مما يفتح الباب على مصراعيه أمام مجالات أخرى.

وأدى هجوم مايكروسوفت المفاجئ إلى جانب المخاوف بشأن قدرة غوغل على درء هذا الاختراق التكنولوجي المهم إلى إلحاق الضرر بالشركة الأم، ألفابت، التي انخفض سعر أسهمها بنسبة 8 في المئة في عملية بيع قضمت نحو 100 مليار دولار من ثروة المساهمين.

وكان ما حصل الأربعاء الماضي أكبر انخفاض في يوم واحد منذ أكتوبر 2022، عندما كشف تقرير أرباح مجموعة ألفابت عن تباطؤ في إيرادات الإعلانات الرقمية الذي أزعج المستثمرين.

وتصاعدت المخاوف منذ أن كشف تقرير آخر صدر الأسبوع الماضي عن انخفاض مبيعات إعلانات غوغل خلال ربع موسم العطلات عن نفس الفترة من العام السابق.

وجاء التراجع بعد أن أوضحت غوغل بالتفصيل خططها لبرنامج محادثة يطلق عليه اسم “بارد” خلال عرض تقديمي تضمن معلومات غير دقيقة حول استكشاف الفضاء.

ويتناقض ذلك مع عرض مصقول بعناية من قبل مايكروسوفت لدمج روبوت محادثة مشهور بالفعل، هو تشات جي.بي.تي، في محرك بحث بينغ الخاص بالشركة.

واعتبر أنجيلو زينو المحلل في شركة سي.أف.آر.أي أن هذا ليس نهاية العالم لشركة غوغل، بينما تقتحم مايكروسوفت السوق بقوة هذه المرة. وقال إن “روبوت تشات جي.بي.تي يظهر أن هناك تهديدا محتملا وهذا يسبب الكثير من الخوف”.

ومنذ إطلاقه في العام 1998، سيطر محرك غوغل للبحث على الصناعة، وأقصى بفضل سياسة مسؤوليه بمن فيهم الرئيس التنفيذي ساندر بيتشاي العدد القليل من المحركات الأخرى المنافسة، والتي سعت لتثبيت أقدامها في السوق دون تحقيق نتائج قوية تذكر.

وعلى مدار السنوات الست الماضية ركزت غوغل على الذكاء الاصطناعي، لكنها حذرت من كيفية استخدام التكنولوجيا في محرك البحث الخاص بها الذي يمتلك ما يقرب من 90 في المئة من سوق الإنترنت.

ويقول محللو القطاع ومستثمرون في التكنولوجيا إن ذلك يرجع جزئيا إلى أنه يتم الاعتماد عليه باعتباره وسيلة انتقال للحصول على معلومات موثوقة.

وهذا ما أكده بيتشاي مؤخرا حينما قال إن “غوغل لديها إمكانات مماثلة لتشات جي.بي.تي وأن السبب وراء عدم توفير غوغل لنتائج بحث مدعومة بخاصية الذكاء الاصطناعي إلى الآن هو الخوف من إمداد مستخدميها بمعلومات غير دقيقة”.

وفي حين تُظهر إحصائيات أن أكثر من 59 في المئة من المستخدمين استعملوا العام الماضي محرك البحث غوغل من خلال الهواتف الذكية، فإن متوسط عوائد المعلنين بلغ ملياري دولار عبر المحرك.

وبالنسبة إلى الربع الأخير من العام الماضي، فقد حققت ألفابت 42.6 مليار دولار من البحث عبر غوغل، فضلا عن عوائد أخرى، بينما سجلت مايكروسوفت 3.2 مليار دولار من إعلانات البحث والأخبار.

وتتوقع العديد من الأبحاث والدراسات التكنولوجية أن سوق محركات البحث من الجيل التالي ستنمو بمعدل سنوي مركب قدره 25.5 في المئة حتى العام 2026.

Thumbnail

ورغم أن تشات جي.بي.تي قد اجتذب الملايين من المستخدمين منذ إطلاقه في أواخر العام الماضي، إلا أنه من المبكر الحكم عليه على أنه سيكون نقطة انطلاق لإعادة تشكيل سوق محركات البحث على الأقل في المستقبل القريب.

وقال ديفيد هيغر المحلل في شركة إدوارد جونز “كان على غوغل اتباع نهج محسوب بدرجة أكبر، ولكن ليس لدى مايكروسوفت حقا ما تخسره، وعليه لماذا لا تستخدم تشات جي.بي.تي في البحث؟”.

واعتماد مايكروسوفت المتزايد على هذه التقنية قد لا يكون مصدر القلق الوحيد لغوغل، فمحرك البحث الرائد في الصين بايدو يطرح روبوت محادثة يسمى “إيرني”.

ولكن تقنية تشات جي.بي.تي نفسها غير محظورة من قبل السلطات الصينية ولكن أوبن أي.آي لا تسمح للمستخدمين في الصين وهونغ كونغ وإيران وروسيا وأجزاء من أفريقيا بالتسجيل.

وتعمل الشعبية المتزايدة لروبوتات محركات البحث على زيادة الوعي بسرعة حول مدى تقدم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وإلى أي مدى تتخلف شركات التكنولوجيا في ثاني أكبر اقتصاد في العالم عن كونها تتدافع للحاق بالركب.

ونسبت رويترز إلى دينغ داوشي مدير شركة استشارات الإنترنت سوتو الصينية قوله “هناك إثارة كبيرة حول تشات جي.بي.تي على عكس تقنية ميتافيرس التي تواجه صعوبة كبيرة في العثور على تطبيقات واقعية”.

وقال “ساعدتنا تقنية تشات جي.بي.تي فجأة في تحقيق تفاعل بين الإنسان والكمبيوتر والتغييرات التي ستحدثها هي أكثر فورية وأكثر مباشرة وأسرع”.

المادة السابقةأضرار لبنان الاقتصادية جراء الزلزال التركي-السوري
المقالة القادمةسلامة: المصارف خسرت 15 مليار دولار جراء تخلف الدولة عن سداد السندات