يستبعد الخبراء أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلا عن الطيارين، لكن هذه التقنية متسارعة التطوّر ستكون عنصرا مساعدا في تحسين انسيابية العمليات في المطارات وخدمات المسافرين وإدارة صيانة الطائرات، كما أنها تفتح الباب لنمو سوق واعدة في غضون سنوات.
سيكون قطاع الطيران أحد المجالات التي تسعى إلى الاستفادة من التقنيات المتقدمة، إذ ترى الشركات، التي اعتادت منذ فترة طويلة على هوامش الربح الضئيلة، أن الذكاء الاصطناعي هو أحدث وسيلة لتعزيز الإنتاجية واكتساب ميزة تنافسية.
ويجتمع رؤساء شركات القطاع من كافة أنحاء العالم في دبي لحضور الاجتماع العام السنوي الثمانين لاتحادهم الرئيسي (أياتا)، من أجل البحث في مستقبل القطاع الذي يعجّ بمشاريع عمودها الذكاء الاصطناعي، بعضها قيد التطوير وبعضها الآخر دخل حيز التنفيذ.
وبعدما اعتادت الشركات في قطاع الطيران العمليات المعقدة، والحوادث التي تستدعي تعاملا عاجلا وهوامش مالية ضيقة، تبحث عن مخزونات جديدة من الإنتاجية لزيادة قدرتها التنافسية، ويمكن أن تساعدها خوارزميات معالجة البيانات الضخمة على القيام بذلك.
وتقول جولي بوتزي رئيسة قسم البيانات والذكاء الاصطناعي في الخطوط الجوية الفرنسية أيرفرانس والهولندية كي.أل.أم “تعد البيانات والذكاء الاصطناعي أدوات رائعة لقطاع الطيران”.
واندمجت كي.أل.أم، أقدم خطوط طيران في العالم، خلال عام 2004 مع الخطوط الفرنسية لإنشاء كيان باسم أيرفرانس – كي.أل.أم، مع احتفاظ كل شركة بالعلامة التجارية والشعار الخاص بها، كما تمتلك الشركة الهولندية عضوية في تحالف سكاي تيم.
وتؤكد المجموعة الفرنسية – الهولندية أن لديها “أكثر من 40 مشروعا تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي” الذي على غرار تشات جي بي تي الشهير ينشئ بيانات جديدة يغذيها استخدامه.
ومن بين تلك الأدوات أداة استجابة بنحو 85 لغة مختلفة للطلبات المتنوعة للزبائن، مثبتة على الأجهزة اللوحية، التي تعمل باللمس للمسافرين على الخطوط الجوية الفرنسية والمرتقبة في العام 2025 في مطار شارل ديغول في باريس.
وكذلك أطلقت مجموعة أي.دي.بي المشغلة لهذا المطار مبادرات عدة باستخدام الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع الشركات الناشئة.
وإحدى تلك المبادرات آلوبرين، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي المستند إلى التعرف على الصوت، وقد سمحت بتقليل “عدد المكالمات الهاتفية التي لا تلقى ردا من 50 إلى 10 في المئة”، بحسب ألبان نيغريت رئيس قسم الابتكار في المجموعة.
وبفضل برنامج ونتيكس المتخصص في استخراج البيانات من صور المراقبة بالفيديو في الوقت الفعلي، تأمل أي.دي.بي في تبسيط مسارات الاصطفاف والركوب أو تناوب الحافلات المكوكية.
ويمثل خفض أوقات الانتظار أحد التحديات الحاسمة، كما يوضح جيروم بوشار المتخصص في قطاع الطيران في شركة أوليفر وايمان.
وقال بوشار “إننا نشهد ارتفاعا متزايدا في عدد الركاب، في مساحات مقيدة بشكل متزايد، ومازلنا نسافر كما كنا نسافر في السبعينات، وهناك تقدم يتعيّن إحرازه”، ذاكرا تطور “الخدمات الرقمية” مثل التعرف على الوجه عند المرور بالجوازات.
ويضيف “لكن كل ذلك يتطلب تنسيقا ومزامنة هائلين للبيانات”، التي لا تزال غير كاملة، و”نحن لم نصل بعد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، بل نحن في مرحلة هيكلة سلسلة القيمة”.
وتقدر شركة موردر أنتليجنس للأبحاث أن يبلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي والروبوتات في مجال الطيران والدفاع هذا العام نحو 31.9 مليار دولار.
ويتوقع خبراء موردر أن تنمو هذه السوق خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل سنوي قدره 7.5 في المئة، ليصل حجمها إلى 45.8 مليار دولار بحلول 2029.
ويلفت جيفري ويستون، رئيس أنشطة شركات الطيران لدى شركة باين آند كومباني، الأنظار إلى الذكاء الاصطناعي بقوله إنه يمثل “بلا شك حدودا جديدة، مع ما يقدمه من تسارع خارق للتكنولوجيات والقدرات”.
ويوضح لفرانس برس أنه “عندما نكون إزاء أوضاع متحركة، في حالة رحلات الربط الجوية، يكون الذكاء الاصطناعي مفيدا جدا لتسريع عملية نقل المعلومات الصحيحة إلى الأشخاص المناسبين بشكل كبير”.
ويمكن أيضا للشركات استخدام الذكاء الاصطناعي “لإدارة مخزونها أو مواصلة أتمتة سلاسل التوريد، وهو أمر مهم جداً للصيانة في الظروف التشغيلية”، وفقا لويستون.
ويبدو أن هذه التقنية مغرية لشركات الطيران العربية، ففي ديسمبر الماضي أصبحت الاتحاد للطيران من أوائل الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز أنظمة إدارة السلامة وذلك بالشراكة مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن محمد البلوكي، الرئيس التنفيذي للعمليات التشغيلية في الشركة المملوكة لحكومة أبوظبي، قوله حينها إن “الاتحاد تسعى دائما لاستكشاف طرق مبتكرة لتعزيز أدائها في مجال السلامة”.
وأضاف “نؤمن بأن توظيف الذكاء الاصطناعي يمثل قفزة كبيرة ومن المتوقع أن يكون له تأثير كبير في قطاع الطيران”.
وتخطط أيرفرانس – كي.أل.أم لاستخدام أداة ذكاء اصطناعي توليدية لدى تقنييها، من أجل تسريع عملية تحديد القطعة التي تعاني خللا من بين آلاف القطع.
ومن جانبها أقدمت أي.دي.بي، بالتعاون مع شركة وي ماينتين الناشئة، على تجهيز مصاعدها وسلالمها المتحركة بأجهزة استشعار مدعومة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن الإشارات الضعيفة للأعطال قبل حدوثها.
والطائرات الحديثة، بما تحتويه من أنظمة التشخيص الذاتي والقيادة الإلكترونية المتطورة، عبارة عن مصانع بيانات حقيقية يمكن استخدامها، معززة بالذكاء الاصطناعي، عند التخطيط للرحلات المستقبلية.
وتعمل شركة تاليس المصنعة للمعدات أيضا على دمج هذه التكنولوجيا في أدوات إدارة الحركة الجوية الخاصة بها.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالقيادة الفعلية للطائرة، فليس هناك مجال لمنح السيطرة للخوارزميات، لأن إصدار التصاريح للطائرات وأنظمتها، وهو حجر الزاوية في صناعة الطيران، يجب أن يعتمد على عناصر يمكن تتبعها وتكرارها، بعيدًا عن “المنطق الغامض”.
وفي نهاية المطاف، فإن “الأمر متروك للبشر لتحمل مسؤولية اتخاذ القرار”، كما أوضح باتريس كين الرئيس التنفيذي لتاليس في مارس الماضي، والذي اعتبر أن الأمر “أبعد من مجرد ذكاء اصطناعي، بل الذكاء المساعد، الذي يأتي لمساعدة الإنسان”.