يعد ادخار الذهب ظاهرة شائعة في فترات الاضطرابات الاقتصادية أو السياسية، لا سيما وأنه يعتبر إحدى وسائل الاستثمار التي تحافظ على قيمته وتشعر صاحبه بالأمان المالي. وفي لبنان، بلد الأزمات لجأ الكثير من اللبنانيين إلى الذهب كملاذ آمن في وجه انهيار عملتهم الوطنية ووسيلة للتحوط من التقلبات في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وفي هذا الاطار، أظهرت أحدث الأرقام والمؤشرات أن الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 هي الأقل تصديراً والأعلى استيراداً للمجوهرات، إذ سجّل معدل الاستيراد نحو 1.49 مليار دولار في حين لم يتجاوز متوسط السنوات العشر الأخيرة الـ 1.22 مليار دولار، وذلك بحسب “الدولية للمعلومات”. وفي التفاصيل، أظهرت مراجعة حركة استيراد وتصدير المجوهرات والحلي التي تشمل اللؤلؤ والألماس والأحجار الكريمة والذهب والفضة تراجعاً ملفتاً في أرقام الصادرات، ليكون هذا العام هو الأقل تصديراً للمجوهرات والأعلى استيراداً إذا ما استمرت النسبة على هذا النحو.
ولدى التدقيق في أرقام الاستيراد والتصدير، تبيّن أن النسبة الأكبر من هذه الأرقام كانت من حصة سبائك الذهب. فمنذ بدء الأزمة النّقدية في لبنان بدأت أرقام استيراد سبائك الذهب بالارتفاع تباعاً بدءاً من العام 2019، بحيث استورد لبنان حينها سبائك ذهبية بقيمة 476 مليون دولار إلى أن وصلت إلى 1.130 مليار في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023، ما يعني لجوء اللبنانيين عموماً، والمقتدرين خصوصاً إلى إدّخار الحلي والمجوهرات. أما على مستوى التصدير، فقد سجل تصدير السبائك تراجعاً متتالياً بدأ عام 2019 بقيمة 1.132 مليار حتى وصل إلى 122 مليوناً في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023، ما يشير إلى أن اللبنانيين يستبدلون العملات النقدية بالذهب كبديل عن العملة الورقية للادخار.
وبحسب “الدولية للمعلومات”، فإن أعلى قيمة واردات سجلت قبل الأزمة عام 2019، بحيث بلغت نحو 947 مليون دولار عام 2016، بزيادة 97 في المئة، مقابل زيادة الصادرات 702 مليون دولار، بزيادة نحو 196 في المئة. وفي السنوات العشر الأخيرة، استورد لبنان سبائك ذهبية بقيمة 6.29 مليارات دولار وصدّر بقيمة 4.9 مليارات.
تجدر الاشارة إلى أن الأرقام أظهرت أن لبنان صدّر أضعاف ما صدّره في العامين 2019 و2020، إذ ارتفعت قيمة الصادرات من 7.3 أطنان عام 2018 إلى 26 ألف طن عام 2019، و20.8 طناً عام 2020، ثم عادت وانخفضت في الفترة الممتدة بين 2021 و2023 إلى 2160 طناً عام 2023.
في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والنقدي في لبنان، أصبح الذهب وسيلة شائعة للحفاظ على القيمة المالية لأموال اللبنانيين، إذ يُعتبر تقليدياً ملاذاً آمناً في الأوقات التي تشهد التضخم وعدم استقرار العملة، الأمر الذي دفع اللبنانيين إلى شراء أونصات الذهب وسبائكه وتخزينها كاستثمار ضد فقدان قيمة العملة الورقية التي أصبحت عبئاً ثقيلاً عليهم. ومن المتوقع أن يبقى هذا الاتجاه المتنامي نحو اقتناء الذهب في ظل انعدام الثقة بالمصارف كوسيلة آمنة لتخزين الودائع وتفضيل الاستثمار في الذهب بدلاً من وضع الأموال في المصارف خصوصاً وأن الذهب يتمتع بالقدرة على التحول بسهولة إلى سيولة نقدية تلبية للاحتياجات المالية العاجلة.