الذهب مقابل الطعام شعار المرحلة المقبلة

في جولة على محال الصاغة والمجوهرات في أسواق الذهب في كل من برج حمود وسد البوشرية والزلقا، نجد واجهات محلات ذهب شبه فارغة مصحوبة ببوابة حديد وأخرى زجاج محكمة الاقفال لا يفتحها أصحابها قبل التأكد من هوية الشخص الساعي الى دخول المحلّ، فيما عمدت محلات أخرى الى تركيب واجهة زجاج داخلية تحيط بمكتب صاحب المحل وبمعرض الذهب تتوسطها نافذة صغيرة تسمح بتقاضي المال أو تسليم الصيغة.

وفي دردشات مع أصحاب هذه المحلات، كشف بائعو الصيغة انه “مع بداية ثورة 17 تشرين 2019 ازداد الطلب على الذهب حيث تضاعفت المبيعات بنحو 3 أضعاف عما كانت عليه في وقت سابق على مختلف الأنواع أكانت صيغة او ليرات، حيث وجد الناس في الذهب ملاذاً آمنا أكثر من الليرة وربما من الدولار بحسب البعض، ووسيلة لإخراج الأموال المحجوز عليها في المصارف.

كما قام بعض أصحاب محلات الصيغة الكبيرة بقبول الشيك المصرفي في بداية الأزمة لسد ديونهم المصرفية أيضا. أما اليوم وبعد عامين من توغّل الازمة، أصبح اللبنانيون يلجأون إلى بيع الذهب بدل شرائه بحثاً عن سيولة تسمح لهم بتأمين أبسط متطلبات العيش الكريم وتسد لهم الهوة الواقعة بين رواتبهم المتواضعة وغير الكافية مقارنة مع الوضع الحالي وأسعار السلع النارية”، معلّقين بالقول “الافراد يبيعون الذهب مقابل الحصول على المال لشراء مواد غذائية!”.

ويشرح البائعون أن “نسبة بيع الذهب تتراوح بين 80 و 95% حيث أنّ نسبة الشراء لا تتعدى الـ20%، ومعظم البائعين يتقاضون بدل صيغتهم “فراش دولار” أو ليرة وفق سعر السوق السوداء، اما من يضطر إلى شراء هدية لمولود جديد أو لأي مناسبة اجتماعية أخرى كعرس أو خطبة فيسعى إلى تبديل قطعة بأخرى، ومعظم الحركة تدور حول تصليح ساعات أو شراء قطع صغيرة ذات قيمة بسيطة تناسب جيبة المواطن”، لافتين إلى أنّ “قلّة الحركة وتراجع الطلب أديا إلى “ضبّ” البضاعة في الخزنة وعدم عرضها توفيراً للوقت، فعرض البضاعة صباحاً و”ضبها” مساء يحتاج الى نحو ساعة ونصف”، مضيفين “لشو؟ وجع قلب عالفاضي”.

وفي معرض تفسير دلالة ظاهرة بيع الذهب قال المستشار المتخصص في مجالي الاستراتيجية والقيادة جيلبير ضومط إنّ ” تلك الظاهرة مؤشر خطير جداً، وهي مرتبطة بالأفراد التي بدأت مدخراتهم تنعدم والذين يبحثون عن تأمين الحد الأدنى من المعيشة”، مؤكدا انّه “من المستحيل أن يبيع أي شخص مدخراته من الذهب لتجميع الدولار، فشراء الذهب هو عادة وتقليد شبه مقدس لدى اللبنانيين لطالما كان الملاذ الآمن للبنانيين ومصدر راحة البال الأول فكيف يبيع المواطن ذهبه لشراء الدولار؟ ان دلت هذه الظاهرة على شيء فهو انّ الناس اضطروا للجوء الى آخر درع حماية من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها واستخدامها قبل الانهيار التام وبالتالي المواطنون لم يعودوا قادرين على الصمود أكثر في وجه الازمة وبهذا نكون اقتربنا من مرحلة الخطر الحقيقي”.

 

مصدرنداء الوطن - باولا عطية
المادة السابقةوهم التأمين: أغلب المؤمَّنين غير مؤمَّنين!
المقالة القادمةمنصّة “impact” والتحوّل نحو الرقابة الرقمية و”password” لكل نائب