عندما كان اللبنانيون يصطفون بطوابير أمام محال الذهب لشراء الأونصات والليرات، كانوا يبحثون عن الأمان وليس الترف. كثيرون منهم استغلوا انخفاض سعر أونصة الذهب خلال الأشهر الماضية، حين وصل سعر الأونصة نهاية شهر أيلول ومطلع شهر تشرين الأول إلى 1831 دولاراً، فلم يجدوا حينها ملاذاً لإدخار أموالهم أكثر أماناً من الذهب، بعد أن انهارت ثقتهم بالقطاع المصرفي وتزعزعت بالعقار أيضاً.
اليوم باتت حركة شراء الذهب شبه معطّلة. فقد تراجعت بنسبة 80 في المئة، عما كانت عليه منذ شهرين، فما هي الأسباب؟ وهل يلعب سعر أونصة الذهب دوراً في حركة السوق؟
تراجع حركة البيع
منذ 7 تشرين الأول حين بدأت عملية طوفان الأقصى ووقعت الحرب في غزة وامتدت إلى جنوب لبنان، بات اللبنانيون بأمس الحاجة إلى السيولة النقدية بين أيديهم، في ظل تزايد القلق وغياب الأفق حيال المرحلة المقبلة.
فدفعتهم الأوضاع الأمنية المستجدة إلى التريث في إنفاق الدولارات أو تجميدها في استثمارات معينة أو مشاريع بعيدة الأمد. حتى أن حاملي الدولارات تريّثوا بشراء الذهب. وحسب نقيب تجار الذهب والمجوهرات، نعيم رزق، فقد تراجعت حركة مبيع الذهب منذ 7 تشرين الأول وحتى اليوم قرابة 80 في المئة، في كافة المناطق، خصوصاً في منطقة جنوب لبنان.
وقد ذهب البعض لأبعد من ذلك لتأمين سيولة نقدية، فباع الذهب أو رهن أونصات لأجل زمني محدد، إلا أن حركة بيع الذهب من قبل المواطنين لم تكن واسعة بل طفيفة. ويقول رزق في حديثه إلى “المدن” أن المواطنين بغالبيتهم لم يلجأوا إلى بيع الذهب. وقد اقتصرت عمليات البيع على أولئك الذين اشتروا الذهب بهدف تحقيق أرباح. فمَن اشترى الأونصة قبل الحرب في غزة على سعر منخفض نوعاً ما، أو ما يقل عن 1850 دولار و1840 دولار للأونصة، فقد أقدم حالياً على البيع على سعر يزيد عن 1950 و2000 دولار وحقق أرباحاً جيدة.
ارتفاع الأسعار
عامل آخر لعب دوراً في تراجع حركة مبيع الذهب، يرتبط بارتفاع سعر الأونصة وكسره سقف 2000 دولار. وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات. وقد ارتفع سعر أونصة الذهب خلال العام 2023 قرابة 10 في المئة، ملامساً حالياً 2010 دولارات، بعد أن افتتح العام الجاري بـ1823 دولاراً للأونصة.
وكان غولدمان ساكس Goldman Sachs قد توقع أن تنتهي سنة 2023 على بلوغ سعر الذهب 2500 دولار للأونصة، إلى جانب توقعات يو بي إس UBS بأن يرتفع سعر أونصة الذهب الى 2100 دولار بحلول نهاية العام الحالي، واحتمال بلوغ الأونصة 2200 دولار بحلول شهر آذار 2024.
يشير المحللون إلى عدة أسباب للاستثمار في الذهب في الوقت الحالي، أهمها ثبات الطلب من قبل البنوك المركزية، ضعف أساسيات الدولار الأميركي، وتزايد مخاطر الركود في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط.
من جهته يرى بنك جيه بي مورغان JPMorgan أن أسعار الذهب، لديها فرص جيدة لأن تتجاوز مستوى ألفي دولار للأونصة مع نهاية 2023، وأن بإمكانها تجاوز مستويات 2100 دولار في عام 2024، في حال بدأ الفيدرالي بمسار خفض الفائدة.
ويستهدف البنك وصول متوسط سعر الذهب إلى 2175 دولاراً للأونصة في الربع الأخير من عام 2024، وسط توقعات بحدوث ركود معتدل في الولايات المتحدة، قبل أن يبدأ الفيدرالي في التيسير النقدي.
كذلك رأى البنك الدولي أن الاضطرابات الجيوسياسية قد أثرت على سوق الذهب، متوقعاً أن يؤدى الطلب على الملاذ الآمن إلى ارتفاع الأسعار، لاسيما في حال اتساع الفوضى في الشرق الأوسط. ولفت البنك الدولي في تقرير له إلى احتمال ارتفاع متوسط أسعار الذهب بنسبة 6 في المئة خلال العام 2024.